ولا في سباحة كوكبه وهو من الوجه الخاص الإلهي الخارج عن الطريق المعتادة في العلم الطبيعي الذي يقتضي الترتيب النسبي الموضوع بالترتيب الخاص وهذه مسألة يغمض دركها فإن العالم المحقق بقول بالسبب فإنه لا بد منه ولكن لا يقول بهذا الترتيب الخاص في الأسباب فعامة هذا العلم إما ينفون الكل وإما يثبتون الكل ولم أر منهم من بقول ببقاء السبب مع نفي ترتيبه الزماني فإنه علم عزيز يعلم من هذه السماء فما يكون عن سبب في مدة طويلة يكون عن ذلك السبب في لمح البصر أو هو أقرب وقد ظهر ذلك فيما نقل في تكوين عيسى ع وفي تكوين خلق عيسى الطائر وفي إحياء الميت من قبره قبل أن يأتي المخاض للأرض في إبراز هذه المولدات ليوم القيامة وهو يوم ولادتها فالق بالك وأشحذ فؤادك عسى أن يهديك ربك سواء السبيل ومن هذه السماء قوله في ناشئة الليل إنها أقوم قيلا فإذا حصل التابع هذه العلوم وانصرف الكاتب إلى نزيله ورد النظر إليه أعطاه من العلم المودع في مجراه ما يعطيه استعداده مما له من الحكم في الأجسام التي تحته في العالم العنصري لا من أرواحه فإذا كمل فذلك قراه يطلب الرحيل عنه فجاء إلى صاحبه التابع وخرجا يطلبان السماء الثالثة وصاحب النظر بين يدي التابع مثل الخادم بين يدي مخدومه وقد عرف قدره ورتبة معلمه وما أعطاه من العناية اتباعه لذلك المعلم فلما قرعا السماء الثالثة فتحت فصعدا فيها فتلقى التابع يوسف ع وتلقى صاحب النظر كوكب الزهرة فأنزلته وذكرت له ما ذكره من تقدم من كواكب التسخير فزاده ذلك غما إلى غمه فجاء كوكب الزهرة إلى يوسف ع وعنده نزيله وهو التابع وهو يلقي إليه ما خصه الله به من العلوم المتعلقة بصور التمثل والخيال فإنه كان من الأئمة في علم التعبير فأحضر الله بين يديه الأرض التي خلقها الله من بقية طينة آدم ع وأحضر له سوق الجنة وأحضر له أجساد الأرواح النورية والنارية والمعاني العلوية وعرفه بموازينها ومقاديرها ونسبها ونسبها فأراه السنين في صور البقر وأراه خصبها في سمنها وأراه جد بها في عجافها وأراه العلم في صورة اللبن وأراه الثبات في الدين في صورة القيد وما زال يعلمه تجسد المعاني والنسب في صورة الحس والمحسوس وعرفه معنى التأويل في ذلك كله فإنها سماء التصوير التام والنظام ومن هذه السماء يكون الإمداد للشعراء والنظم والإتقان والصور الهندسية في الأجسام وتصويرها في النفس من السماء التي ارتقى عنها ومن هذه السماء يعلم معنى الإتقان والإحكام والحسن الذي يتضمن بوجوده الحكمة والحسن الغرضي الملائم لمزاج خاص وفي هذه السماء هو النائب الخامس الذي يتلقى تدبير النطفة في الرحم في الشهر الخامس ومن الأمر الموحي من الله في هذه السماء حصل ترتيب الأركان التي تحت مقعر فلك القمر فجعل ركن الهواء بين النار والماء وجعل ركن الماء بين الهواء والتراب ولولا هذا الترتيب ما صح وجود الاستحالة فيهن ولا كان منهن ما كان من المولدات ولا ظهر في المولدات ما ظهر من الاستحالات فأين النطفة من كونها استحالت لحما ودما وعظاما وعروقا وأعصابا ومن هذه السماء رتب الله في هذه النشأة الجسمية الأخلاط الأربعة على النظم الأحسن والإتقان الأبدع فجعل مما يلي نظر النفس المدبرة المرة الصفراء ثم يليها الدم ثم يلي الدم البلغم ثم يلي البلغم المرة السوداء وهو طبع الموت ولولا هذا الترتيب العجيب في هذه الأخلاط لما حصلت المساعدة للطبيب فيما يرومه من إزالة ما يطرأ على هذا الجسد من العلل أو فيما يرومه من حفظ الصحة عليه ومن هذه السماء ظهرت الأربعة الأصول التي يقوم عليها بيت الشعر كما قام الجسد على الأربعة الأخلاط وهما السببان والوتدان السبب الخفيف والسبب الثقيل والوتد المفروق والوتد المجموع فالوتد المفروق يعطي التحليل والوتد المجموع يعطي التركيب والسبب الخفيف يعطي الروح والسبب الثقيل يعطي الجسم وبالمجموع يكون الإنسان فانظر ما أتقن وجود هذا العالم كبيره وصغيره فإذا حصلا هذه العلوم هذان الشخصان وزاد التابع على الناظر بما أعطاه الوجه الخاص من العلم الإلهي كما اتفق في كل سماء لهما انتقلا يطلبان السماء الوسطى التي هي قلب السماوات كلها فلما دخلاها تلقى التابع إدريس ع وتلقى صاحب النظر كوكب الشمس فجرى لصاحب النظر معه مثل ما تقدم فزاد غما إلى غمه فلما نزل التابع بحضرة إدريس ع علم تقليب الأمور الإلهية ووقف على معنى قوله ع القلب بين إصبعين من أصابع الرحمن وبما ذا يقلبانه ورأى في هذه السماء غشيان الليل النهار والنهار الليل وكيف يكون كل واحد منهما لصاحبه ذكرا وقتا وأنثى وقتا وسر النكاح
(٢٧٥)