لا يكون لأن الكون وجود وهذه التوجهات والكلمات في خزائن الجود لكل شئ يقبل الوجود قال تعالى وإن من شئ إلا عندنا خزائنه وهو ما ذكرناه وقوله وما ننزله إلا بقدر معلوم من اسمه الحكيم فالحكمة سلطانة هذا الإنزال الإلهي وهو إخراج هذه الأشياء من هذه الخزائن إلى وجود أعيانها وهو قولنا في أول خطبة هذا الكتاب الحمد لله الذي أوجد الأشياء عن عدم وعدمه وعدم العدم وجود فهو نسبة كون الأشياء في هذه الخزائن محفوظة موجودة لله ثابتة لأعيانها غير موجودة لأنفسها فبالنظر إلى أعيانها هي موجودة عن عدم وبالنظر إلى كونها عند الله في هذه الخزائن هي موجودة عن عدم العدم وهو وجود فإن شئت رجحت جانب كونها في الخزائن فنقول أوجد الأشياء من وجودها في الخزائن إلى وجودها في أعيانها للنعيم بها أو غير ذلك وإن شئت قلت أوجد الأشياء عن عدم بعد أن تقف على معنى ما ذكرت لك فقل ما شئت فهو الموجد لها على كل حال في الموطن الذي ظهرت فيه لأعيانها وأما قوله ما عندكم ينفد فهو صحيح في العلم لأن الخطاب هنا لعين الجوهر والذي عنده أعني عند الجوهر من كل موجود إنما هو ما يوجده الله في محله من الصفات والأعراض والأكوان وهي في الزمان الثاني أو في الحال الثاني كيف شئت قل من زمان وجودها أو حال وجودها تنعدم من عندنا وهو قوله ما عندكم ينفد وهو يجدد للجوهر الأمثال أو الأضداد دائما من هذه الخزائن وهذا معنى قول المتكلمين إن العرض لا يبقى زمانين وهو قول صحيح خبر لا شبهة فيه لأنه الأمر المحقق الذي عليه نعت الممكنات وبتجدد ذلك على الجوهر يبقى عينه دائما ما شاء الله وقد شاء إنه لا يفنى فلا بد من بقائه فيعلم التابع من هذه الحضرة التكوينات الجنانية وجميع ما ذكرناه وأما صاحب النظر رفيق التابع فما عنده خبر بشئ من هذا كله لأنه تنبيه نبوي لا نظر فكري وصاحب النظر مقيد تحت سلطان فكره وليس للفكر مجال إلا في ميدانه الخاص به وهو معلوم بين الميادين فإنه لكل قوة في الإنسان ميدان يجول فيه لا يتعداه ومهما تعدت ميدانها وقعت في الغلط والخطاء ووصفت بالتحريف عن طريقها المستقيم وقد يشهد الكشف البصري بما تعثر فيه الحجج العقلية وسبب ذلك خروجها عن طورها فالعقول الموصوفة بالضلال إنما أضلتها أفكارها وإنما ضلت أفكارها لتصرفها في غير موطنها وإنما تصرف ما تصرف منها في غير موطنه وجال في غير ميدانه ليظهر فضل بعض الناس على بعضهم وإنما ظهر الفضل في العالم ليعلم أن الحق له عناية ببعض عباده وله خذلان في بعض عباده وليعلم أن الممكن لم يخرج عن إمكانه وأن المرجح له نظر خصوصي لمن شاء من هذه القوي بما يشاء وهو العليم القدير ثم يخرج بالتابع مع حامله إلى الكرسي فيرى فيه انقسام الكلمة التي وصفت قبل وصولها إلى هذا المقام بالوحدة ويرى القدمين اللتين تدلتا إليه فينكب من ساعته إلى تقبيلهما القدم الواحدة تعطي ثبوت أهل الجنات في جناتهم وهي قدم الصدق والقدم الأخرى تعطي ثبوت أهل جهنم في جهنم على أي حالة أراد وهي قدم الجبروت ولهذا قال في أهل الجنان عطاء غير مجذوذ فما وصفه بالانقطاع وقال في أهل جهنم الذين شقوا ليحكم هذا القدم الجبروتي إن ربك فعال لما يريد ما قال إن الحال التي هم فيها لا تنقطع كما قال في السعداء والذي منع من ذلك قوله ورحمتي وسعت كل شئ وقوله إن رحمتي سبقت غضبي في هذه النشأة فإن الوجود رحمة في حق كل موجود وإن تعذب بعضهم ببعض فتخليدهم في حال النعيم غير منقطع وتخليدهم في حال الانتقام موقوف على إرادة فقد يعود الانتقام منهم عذابا عليهم لا غير ويزول الانتقام ولهذا فسره في مواضع بالألم المؤلم وقال عذاب أليم والعذاب الأليم وفي مواضع لم يقيد العذاب بالأليم وأطلقه فقال لا يخفف عنهم العذاب يعني وإن زال الألم وقال في عذاب جهنم ولم ينعته بأنه أليم وقال لا يفتر عنهم من كونه عذابا وهم فيه أي في العذاب مبلسون أي مبعدون من السعادة العرضية في هذا الموطن لأن الإبلاس لفظة مختصة بأهل جهنم في بعدهم فلهذا جاء بذكر الإبلاس ليوقع هذا الاصطلاح اللغوي في موضعه عند أهله ليعلموه فإنه لموطن جهنم لغة ليست لأهل الجنان والإبلاس منها فيعرف التابع من هذا المقام ما لكل دار ثم إنه يفارق هذا الموضع ويزج به في النور الأعظم فيغلبه الوجد وهذا النور هو حضرة الأحوال الظاهر حكمها في الأشخاص الإنسانية وأكثر ما يظهر عليهم في سماع الألحان فإنها إذا نزلت عليهم تمر على الأفلاك ولحركات الأفلاك
(٢٨١)