الشرع الإلهي ذلك كله فحرم الشافعي عين ما أحله الحنفي وأجاز أبو حنيفة عين ما منعه أحمد بن حنبل فأجاز هذا ما لم يجز هذا فاتفقوا في أشياء واختلفوا في أشياء وكل في هذه الأمة شرع مقرر لنا من عند الله مع علمنا إن مرتبتهم دون مرتبة الرسل الموحى إليهم من عند الله فالنبوة والرسالة من حيث عينها وحكمها ما نسخت وإنما انقطع الوحي الخاص بالرسول والنبي من نزول الملك على أذنه وقلبه وتحجير لفظ اسم النبي والرسول فلا يقال في المجتهد إنه نبي ولا رسول كما حجر الاجتهاد على الأنبياء فيما شرعه والمجتهد وإن كان يرشد الناس بما أداه إليه دليله واجتهاده فلا يطلق عليه هذا الاسم فهو لفظ خاص بالأنبياء والرسل ما هو لله ولا للأولياء بل هو اسم خاص للعبودية التي هي عين القرب من السيد وعدم مزاحمة السيد في رتبته بخلاف الولاية فإن العبد مزاحم له في اسم الولي تعالى ولهذا شق على المستخلصين من العبيد انقطاع اسم النبي واسم الرسول لما كان من خصائصها ولم يكن له في الأسماء الإلهية عين وإذا كانت النبوة نعتا إلهيا في أحكامها ومنها أوجب الحق على نفسه ما أوجب لأن الوجوب للشرع ما هو لغير الشرع فقال كتب ربكم على نفسه الرحمة هذا من حكم الشرع فاعلم ذلك وتثبت في معرفة ما ذكرناه فإنه سهل المرتقى صعب النزول عنه هكذا رأيته في الواقعة ليلة أردت أن أقيد هذا الباب فما تكلمنا في هذا الباب بما تكلمنا به إلا بما شاهدناه في الواقعة ورأينا فيها باب اسم الرسول والنبي مغلقا على يميني والمعراج بإدراجه منه إلى الطريق الشارع الذي يمشي الناس عليه وأنا عند الباب واقف وليس فوق ذلك المقام الذي أوقفني الحق فيه مقام لأحد إلا ما في داخل ذلك المغلق الموثق الغلق ومع غلقه ما ينحجب عني ما وراءه إلا أنه لا قدم لأحد فيه إلا الكشف ولقد طلع إلى شخص فلما وصل بسهولة ورآه توعر عليه النزول وحار ولم يقدر على الثبات فيه فتركني وسلك الطريق الذي عليه جئت أنا إلى ذلك الموضع وراح وتركني راجعا واستيقظت على هذه الحالة فقيدت ما أودعته في هذا الباب ورأيت في هذه الليلة رسول الله ص وهو يكره إدخال الجنازة في المسجد ويكره أيضا أن يستر الميت من الذكران بثوب زائد على كفنه وأمر أن يسلب عنه ويترك على نعشه في كفنه وأن لا يستر في تابوت أصلا وأمرني إذا كان البردان أسخن الماء للغسل من الجنابة ولا أصبح على جنابة ورأيته يشكر على الجماع ويستحسن ذلك من فاعله هذا كله رأيته في هذه الليلة ورأيت أحمد بن حنبل في هذه الليلة وذكرت له أن رسول الله ص أمرني أن أسخن الماء للغسل من الجنابة فقال لي هكذا ذكر البخاري أنه رأى النبي ص في النوم فأمره بذلك ورأى الفربري البخاري في النوم فأمره بذلك ورآني الفربري في النوم وعلمت أنه رآني في النوم ورأيته أنا في نومه فذكر لي أن البخاري ذكر له هذا فعلمته أنا من قول الفربري وثبت عندي وها أنا في النوم قد قلته لك فاعمل به واستيقظت فأمرت أهلي أن يسخنو إلى ماء واغتسلت مع الفجر وهذه كلها من المبشرات وأما النبوة التي هي غير مهموزة فهي الرفعة ولم يطلق على الله منها اسم ولها في الإله اسم رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده ولها أيضا الاسم العلي والأعلى وهي النبوة المهموزة وهي مولدة عن النبوة التي هي الرفعة فالقصر الأصل والمد زيادة ألا ترى العرب في ضرورة الشعر تجوز قصر الممدود لأنه رجوع إلى الأصل ولا تجوز مد المقصور لأنه خروج عن الأصل والروح بينه تعالى وبين من شاء من عباده بالبشارة والنذارة وللأولياء في هذه النبوة مشرب عظيم كما ذكرنا ولا سيما والنبي ص قد قال فيمن حفظ القرآن إن النبوة قد أدرجت بين جنبيه فإنها له غيب وهي للنبي شهادة فهذا هو الفرقان بين النبي والولي في النبوة فيقال فيه نبي ويقال في الولي وارث والوراثة نعت إلهي فإنه قال عن نفسه إنه خير الوارثين فالولي لا يأخذ النبوة من النبي إلا بعد أن يرثها الحق منهم ثم يلقيها إلى الولي ليكون ذلك أتم في حقه حتى ينتسب في ذلك إلى الله لا إلى غيره وبعض الأولياء يأخذونها وراثة عن النبي وهم الصحابة الذين شاهدوه أو من رآه في النوم ثم علماء الرسوم يأخذونها خلفا عن سلف إلى يوم القيامة فيبعد النسب وأما الأولياء فيأخذونها عن الله تعالى من كونه ورثها وجاد بها على هؤلاء فهم أتباع الرسل بمثل هذا السند العالي المحفوظ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد قال أبو يزيد أخذتم علمكم ميتا عن ميت وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت قال الله تعالى لنبيه ص في مثل هذا المقام لما ذكر الأنبياء
(٢٥٣)