في البرزخيات بين المعنى والحس كاللحم بين العظم والجلد وأما اعتدال الشعر فهو إقامته بين البسط والقبض وأما كونه أسيل الوجه فهي الطلاقة والبشاشة وأما كونه أعين فصحة النظر في الأمور وأما كون عينه مائلة إلى الغور والسواد فهو النظر في المغيبات واستخراج الأمور الخفية وأما الجحوظة فهو ميلة إلى استنباط العلوم من عالم الشهادة وهم أهل الاعتبار وأما اعتدال عظم الرأس فتوفير العقل وأما كونه سائل الأكتاف فاحتمال الأذى في الغيبة من غير أثر وأما استواء العنق فالاستشراف على الأشياء من غير ميل إليها وأما الطول الزائد في العنق فهو الاستشراف على ما لا ينبغي مثل التجسس وأما القصر المفرط فهو التفريط فيما ينبغي أن يستشرف عليه وأما اعتدال اللبة فاستقامة العبارة بالوزن الذي تقع به المنفعة عند المخاطب وأما قلة اللحم في الورك والصلب فهو نظره في الأمور التي يتورك عليها ويعول عليها أن يخلصه إلى أحد الطرفين فإنه إن كانت برزخية قد تقدر به في غالب الأمر وأما كونه خفي الصوت فهو حفظ السر في موضع الجهر وأما صفاء الصوت فهو أن لا يزيد فيه شيئا وأما طول البنان فللطافة التناول وأما بسط الكف فرمى الدنيا من غير تعلق وأما قلة الكلام والضحك فنظره إلى مواقع الحكمة فيتكلم ويضحك بقدر الحاجة وأما كون ميل طباعه إلى المرتين فهو أن يغلب عليه في الصفراء الجنوح إلى العالم العلوي وفي السوداء إلى العالم السفلي واستخراج ما أخفي فيه من قرة أعين مما تحجب الطبيعة أكثر العقول في النظر فيها لما يسبق في أذهانهم من ذم الطبيعة وأما كونه في نظره فرح وسرور فهو استجلاب نفوس الغير إليه بالمحبة وأما كونه قليل الطمع في المال فهو البعد عن كل ما يميل به إلى ما لا فائدة له فيه وأما كونه ليس يريد التحكم عليك ولا الرئاسة فهو شغله بكمال عبوديته لا به وأما كونه ليس بعجلان ولا بطئ أي ليس بسريع الأخذ مع القدرة ولا عاجز وكذلك أيضا لما نظرنا إلى أرباب الفراسة الحكمية وجدناهم راجعين في ذلك إلى طرفين وواسطة وقسموا الأمور إلى محمود ومذموم أعني الأخلاق وجعلوا الخير كله في الوسط وجعلوا الانحراف في الطرفين فقالوا في الأبيض الشديد البياض والأشقر الأزرق ما سمعت من الذم وأنه غير محمود وكذلك الشديد السواد والرقيق الأنف جدا مذموم كل هذا والمعتدل بينهما الغير مائل إلى أحد الطرفين مثلا خارجا عن الحد هو المحمود على نحو ما تقدم فلما رأيناهم قد قصروها على ما ذكرنا نظرنا إلى ذلك في هذا العالم الإنساني أين ظهر الحسن والقبح فقلنا لا حسن يقع به المنزلة عند الله ولا قبح يقع باجتنابه الخير من الله إلا ما حسنه الشرع وقبحه فلما رأينا الحمد والذم على الفعل من جهة ما شرعا نظرنا كيف نجمع طرفين وواسطة لنجعل الطرفين مخالفا لحكم الوسط الذي هو محل الاعتدال فنقول لا يخلو الإنسان أن يكون واحدا من ثلاثة بالنظر إلى الشرع وهو إما أن يكون باطنيا محضا وهو القائل بتجريد التوحيد عندنا حالا وفعلا وهذا يؤدي إلى تعطيل أحكام الشرع كالباطنية والعدول عما أراد الشارع بها وكل ما يؤدي إلى هدم قاعدة دينية مشروعة فهو مذموم بالإطلاق عند كل مؤمن وإما أن يكون ظاهريا محضا متغلغلا متوغلا بحيث أن يؤديه ذلك إلى التجسيم والتشبيه فهذا أيضا مثل ذلك ملحق بالذم شرعا فأما أن يكون جاريا مع الشرع على فهم اللسان حيثما مشى الشارع مشي وحيثما وقف وقف قدما بقدم وهذه حالة الوسط وبه صحت محبة الحق له قال تعالى أن يقول نبيه فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم فاتباع الشارع واقتفاء أثره يوجب محبة الله للعباد وصحة السعادة الدائمة فهذا وجه مقابلة النسختين فإن قال قائل هذا مجمل فكيف يعرف تفصيله فإنا إذا رأينا رجلا ساكنا يشهد الصلوات والجماعات وهو مع ذلك منافق مصر فنقول إن السكون وشهود الصلوات وشبه ذلك من عالم الشهادة وكونه كافرا بذلك في قلبه فهو من عالم الغيب ونحن إذا حصلت لنا الفراسة الذوقية الإيمانية كما ذكرناها وكما نتمها إن شاء الله تعالى حكمنا بكونه كافرا في نفوسنا وأبقينا ماله ودمه معصوما شرعا لظهور كلمة التوحيد فمعاملتنا له على هذا الحد وما كلفنا غير هذا ثم لتعلم وفقك الله أن العالم العلوي بالجملة هو المحرك عالم الحس والشهادة وتحت قهره حكمة من الله تعالى لا لنفسه استحق ذلك فعالم الشهادة لا يظهر فيه حكم حركة ولا سكون ولا أكل ولا شرب ولا كلام ولا صمت إلا عن عالم الغيب وذلك أن الحيوان لا يتحرك إلا عن قصد وإرادة وهما من عمل القلب والإرادة من عالم الغيب والتحرك وما شاكله من عالم الشهادة وعالم الشهادة كلما أدركناه بالحس عادة وعالم
(٢٤٠)