ما لأهل المواقف سواء حتى لا يختلط على السالك وكذلك أيضا المنكرة أحوالهم وهم الملامية الذين يعرفون ولا يعرفون تميزهم من أهل عوارف المعارف وتظهر ما لهم من الكمال وهم العلماء بالله فهؤلاء الأربعة لا بد من تمشية أحوالهم في كل مقام وهم العارفون والملامية وأهل الأنس والوصال وأصحاب المواقف والقول وهم الأدباء فإنك مأمور بالنصح لعباد الله عن أمر الله والدين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم فلما فرع وارد البرزخ في الواقعة فمنا من مرقدنا وسألنا الله تعالى العصمة في القول والعمل والحال وكنت أرى معي في هذه الواقعة صاحبنا تاج الدين عباس بن عمر السراج وهو الذي كان ينبهني عن الحق تعالى على الكلام في الحروف الصغار التي تتولد عنها حروف العلل الثلاثة فلنبين أولا ما المراد بالحروف الصغار وما مراتب أولادها وهي حروف العلل وإن كنا قد ذكرناها في الباب الثاني باب الحروف من هذا الكتاب فلا بد من ذكر طرف هنا منها لأجل الواقعة (فصل) اعلم أن المراد بالحروف الصغار الحركات الثلاثة وهي الضمة والفتحة والكسرة ولهذه الحروف حالان حال إشباع وحال غير إشباع فإذا اتصف واحد منها بالإشباع كان علة لوجود معلول يناسبه فإن أشبعت الضمة كان عنها الواو المعلولة وإن كانت فتحة كان عنها الألف وإن كانت كسرة كان عنها الياء المعلولة وإنما قيدنا الواو والياء بالعلة لأنهما قد يوجدان في مقام الصحة غير موصوفين بالعلية والألف لا توجد أبدا إلا معلولة ولذلك لا يكون ما قبلها إلا مفتوحا أبدا فهذه تسمى حروف العلة أي وجدت معلولة عن هذه العلل فخرجت على صورة عللها في الحكم فأعربت بها الكلمات كما أعربت بعللها تقول زيد أخوك فعلامة الرفع في زيد ضمة الدال وعن إشباع الضمة في قولك أخوك تكون الواو علامة الرفع في أخوك وكذلك في النصب في رأيت زيدا أخاك وفي الخفض مررت بزيد أخيك وكذلك رأيت أخاك زيدا الفتحة في زيد علامة النصب والألف في أخاك المتولدة عن فتحة الخاء علامة النصب وكذلك مررت بأخيك زيد فالكسرة في زيد علامة الخفض والياء في أخيك علامة الخفض فأعطيت الياء حكم معلوله فأعلت الكلمة هذه الحروف فلها حكم ابائها إلى الذي هو الرفع له من الأسماء العلى والفتح له من الأسماء الرحمن ما يفتح الله للناس من رحمة والكسر له من الأسماء المتعالي وآثار هذه الأسماء الإلهية في الكون معلومة كما هي في الحق متميزة بحدودها يمتاز بعضها عن بعض وقد بيناها في الباب الثاني من أبواب هذا الكتاب وبينا فيه حركات البناء من حركات الإعراب ومرتبة السكون الحي والميت وإلحاق النون بحروف العلة في حكم الإعراب في الخمسة الأمثلة من الفعل وهي يفعلان وتفعلان ويفعلون وتفعلون وتفعلين وإثباتها إعراب وحذفها إعراب بحسب العوامل الداخلة عليها ولما كان المعلول موصوفا بالمرض كان ذا جهد ومشقة لما يقاسيه من ألم العلة القائمة به إذ لا يوجد عن العلة إلا معلول فلهذا جعلناه في باب المجاهدة لأن المجاهدة مشقة وتعب وبها سمي الجهاد جهادا ودين الله يسر وقول الله صدق حيث قال ما عليكم في الدين من حرج وقال يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولهذا جعلنا بابا لترك الجهاد وهو الذي يلي هذا الباب وهو الباب السابع والسبعون في ترك المجاهدة لا ترك العمل لأن المجاهدة حال الأعمال في وقت والأحوال مواهب والأعمال مكاسب ولهذا أقيم الكسب مقام العمل والعمل مقام الكسب فجاء في آية وتوفى كل نفس ما عملت وفي آية ما كسبت فسمى العمل كسبا وناب كل واحد منهما مناب صاحبه ولهذا قلنا في الأعمال مكاسب ومن العمال من يكون عليهم في عملهم مشقة وهي المجاهدة ومنهم من لا يجدها فلا يكون صاحب مجاهدة فلو اقتضى العمل المشقة لكانت صفة كل عامل واعلم أيدك الله أن المجاهدين هم أهل الجهد والمشقة والمكابدة وهم أربعة أصناف مجاهدون من غير تقييد بأمر وهو قوله تعالى وفضل الله المجاهدين على القاعدين والصنف الثاني مجاهدون بتقييد في سبيل الله وهو قوله والمجاهدون في سبيل الله والصنف الثالث المجاهدون فيه وهو قوله والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا أي نبين لهم حتى يعلموا فيمن جاهدوا فيجاهدون عند ذلك أو لا يجاهدون والصنف الرابع المجاهدون في الله حق جهاده فميزهم عن المجاهدين من غير هذا التقييد كالذين يتقون الله حق تقاته ويتلون الكتاب حق تلاوته فهي مرتبة رابعة في الجهاد وهذه المجاهدة من المقامات المستصحبة للتكليف فما دام التكليف موجودا كانت المجاهدة قائمة العين فإذا زال حكم التكليف زالت المجاهدة ولهذا نفس الله عن المكلفين بصنف المباح لما شفعت فيهم
(١٤٥)