وسابق الهمة العلياء تحظ بمن * سما بأسمائه الحسنى بلا عدد واعلم بأنك محبوس ومكتنف * بالنور حبسا جليا لا إلى أمد لا يعتزل إلا من عرف نفسه ومن عرف نفسه عرف ربه فليس له مشهود إلا الله من حيث أسماؤه الحسنى وتخلقه بها ظاهرا وباطنا وأسماؤه الحسنى سبحانه على قسمين أسماء يقبلها العقل ويستقل بإدراكها وينسبها ويسمى بها الله تعالى وأسماء أيضا إلهية لولا ورود الشرع بها ما قبلها فيقبلها إيمانا ولا يعقلها من حيث ذاته إلا إن أعلمه الحق بحقيقة نسبة تلك الأسماء إليه كما علمها أنبياءه وأولياءه فصاحب العزلة هو الذي يعتزل بما هو له من ربه من غير تخلق بما ينفرد به في زعم العقل من الأسماء الإلهية المشروعة التي لولا الشرع ما سمي العقل الله بها فهي للحق وقد جبل الإنسان عليها وخلقه مجلا لها فهو المسمى بها ولا يتمكن له الاعتزال عن مثل هذه الأسماء الإلهية وبقي القسم الآخر من الأسماء الإلهية يعتزل عنها لما يطرأ عليه منها من الضرر كما قال ذق إنك أنت العزيز الكريم وقوله كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار فيعتزل عن مثل هذه الأسماء الإلهية لما فيها من الذم لمن تسمى بها وظهر بحكمها في العالم فالإنسان حقيقته أن يكون عائلا والعائل لا يكون متكبرا فإنه ظهر بما ليس هو له بنعت ولذلك لا ينظر الله إليه وهو واحد من الثلاثة الشيخ الزاني والملك الكذاب والعائل المستكبر ذكره مسلم في صحيحه فمن رأى التخلق بالأسماء الحسنى ومزاحمة الحق فيها لكونه خلق على الصورة فلا بد أن يظهر بها ويتلبس على الحد المشروع المحمود فهذه مزاحمة عبودية ربوبية وذلك لما رأى أن له أسماء هي له حقيقة ينفرد بها ورأى أن الحق زاحمه فيها كالضحك والفرح والتعجب والمحب والمتردد والكاره والناسي والاستحياء وما أشبه ذلك مما ورد ذكره في الكتاب والسنة إلى ما يداخل النشأة من يد ويدين وأيد ووجل وعين وأعين إلى ما يداخل النشأة من الأحوال من استواء ومعية ونزول وطلب وشوق وأمثال ذلك ورأى هذا المعتزل قبل اعتزاله أن الحق قد زاحمه في هذه النعوت التي ينبغي أن تكون للعبد كما هي في نفس الأمر عنده قال الأليق بي إن أعتزل بأسمائي عن أسمائه ولا أزاحمه فيها تكون عارية عندي إذ كانت العارية أمانة مؤداة وحامل الأمانة موصوف بالتعريف الإلهي بالظلم والجهل فاعتزل صاحب هذا النظر التخلق بالأسماء الحسنى وانفرد بفقره وذله وصغاره وعجزه وقصوره وجهله في بيته كلما قرع عليه الباب اسم الإلهي قيل له ما هنا من يكلمك فإذا انقدح له بهذا الاعتزال أن الله له نفي الأولية وأنه أزلي الوجود ونظر في كلامه سبحانه وفيما أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يوصله إلينا من صفاته وأسمائه لنعرفه بذلك ويخلع علينا بهذا التعريف خلع العلم تشريفا لنا فأعلمنا إن هذه الصفات التي زعمنا إنا نستحقها وأنها لنا حقيقة إن الأمر على خلاف ذلك إذ قد اتصف هو بها وتسمى بها ونحن ما كنا فلا فرق بين هذه الأسماء والتي اعتزلنا عنها فأما أن نعتزل عن الجميع وإما أن نتسمى بالجميع فقلنا له اعتزل عن الجميع واترك الحق إن شاء سماك بالأسماء كلها فأقبلها ولا تعترض وإن شاء سماك ببعضها وإن شاء لم يسمك ولا بواحد منها لله الأمر من قبل ومن بعد فرجع العبد إلى خصوصيته وهي العبودة التي لم تزاحم الربوبية فتحلى بها وقعد في بيت شيئية ثبوته لا بشيئية وجوده ينظر تصريف الحق فيه وهو معتزل عن التدبير في ذلك فإن تسمى من هذه حالته بأي اسم كان فالله مسميه ما هو تسمى وليس له رد ما سماه به فتلك الأسماء هي خلع الحق على عباده وهي خلع تشريف فمن الأدب قبولها لأنها جاءته من غير سؤال ولا استشراف وقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بأخذ مثل هذا العطاء وترك ما استشرفت النفس إلى أخذه وتمنى ذلك بالاستطلاع إليه ووقف عند ذلك على أنه كان غاصبا لله فيما كان يزعم أنه له فإذا هو لله وهو قوله تعالى وإليه يرجع الأمر كله فأخذ منه جميع ما كان يزعم أنه له إلا العبادة فإنه لا يأخذها إذ كانت ليست بصفة له فقال له تعالى لما قال وإليه إلى يرجع الأمر كله فاعبده وهو أصله الذي خلق له وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدوني فالعبادة اسم حقيقي للعبد فهي ذاته وموطنه وحاله وعينه ونفسه وحقيقته ووجهه فمن اعتزل هذه العزلة فهي عزلة العلماء بالله لا هجران الخلائق ولا غلق الأبواب وملازمة البيوت وهي العزلة التي عند الناس أن يلزم الإنسان بيته ولا يعاشر ولا يخالط ويطلب السلامة ما استطاع بعزلته ليسلم من الناس ويسلم الناس منه فهذا طلب عامة أهل الطريق
(١٥٣)