ثوب مخالفة أو موافقة فإنك إن لم توافق الأمر وافقت الإرادة ولولا ما بين السيئ والحسن مناسبة تقتضي جمعهما في عين واحدة يكون بها حسنا سيئا ما قبل التبديل في قوله يبدل الله سيئاتهم حسنات ولا كان يتصف سوء العمل بالحسن في رؤيته فما اتصف بالحسن عنده حتى قبل العمل صفة الحسن في وجه من الوجوه الوجودية فهو سوء بالخبر حسن بالرؤية فكان الرؤية لا تصدق الخبر وشاهد الرؤية أقطع ولكن للعيان لطيف معنى لذا سأل المعاينة الكليم والناس يطلبون أن يصدق الخبر الخبر والخبر الرؤية ولم نر أحدا يطلب أن يصدق الخبر الرؤية كما يصدق الخبر الخبر ولهذا اختلف في شهادة الأعمى ولم يختلف في شهادة صاحب البصر ولهذا قال في الآية فإن الله يضل من يشاء أي يحيره في مثل هذا حيث وصفه بالسيئ والحسن فلا يدري المكلف ما يغلب وبقوله زين بنية ما لم يسم فاعله فلا يدري من زينه هل تزيين الله أو تزيين الشيطان أو تزيين الحياة الدنيا ثم قال ويهدي من يشاء أي يوفق للإصابة في معنى السوء والحسن لهذا العمل ما معناه وكيف ينبغي أن يأخذه فلا تذهب نفسك عليهم حسرات أي فلا تكترث لهم حسرة عليهم فهي بشرى من الله بسعادة الجميع فإنه ما حيل بينه صلى الله عليه وسلم وبين إنسانيته فهو إنسان في كل حال ولا تزول الحسرات عنه وهو إنسان كامل إلا باطلاعه على سعادتهم في المال فلا يبالي من العوارض فإن السوء للعمل عارض بلا شك والحسن له ذاتي وكل عارض زائل وكل ذاتي باق لا يبرح إن الله خبير أي عليم عن ابتلاء بما يصنعون من كل ما يظهر فيكم من الأفعال وعنكم وفي هذا الركن أيضا في قوله ما فات من فات فلان فلانا جودا إذا أربى عليه في الجود وزاد فهذا يرى الندم في التوبة على ما فات أي ما زاد حسن السيئة المبدلة على حسن الحسنة غير المبدلة فإن حسن الحسنة بنفسها لا بأمر آخر وحسن السيئة إذا أبدلت لها حسنان حسن ذاتي وهو الحسن الذي لكل فعل من حيث ما هو لله وحسن زائد وهو ما خلع الحق على هذا الفعل بالتبديل فكسى ما ظهر فيه من السوء حسنا ففات سوء العمل حسن على حسن العمل بما كساه الحق فالحسنة كشخص جميل في غاية الجمال لا بزة عليه وشخص جميل مثله في غاية الجمال طرأ عليه وسخ من غبار فنظف من ذلك الوسخ العارض فبان جماله ثم كسي بزة حسنة فاخرة تضاعف بها جماله وحسنه ففات الأول حسنا فالتائب يندم على ما فات حيث لم تكن أفعاله كلها معلومة له إنها بهذه المثابة فيتصل فرحه قال في هذه الآية وكان الله غفورا أي يستر عمن شاء الوقوف على مثل هذا كشفا رحيما رحمة به لمعنى علمه سبحانه لم يعينه لنا فندم مثل هذا الذي هو أثر الحزن مثل ما يجده المحب على محبوبه من الوجد والحزن والكرب والندم على ما فرط في حق محبوبه الذي زين له فكان يتلقاه بأعظم مما تلقاه من الحرمة والحشمة يقول لسان آدم فيا طاعتي لو كنت كنت بحسرة * ومعصيتي لولاك ما كنت مجتبى قال تعالى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى فالله كان التائب لا آدم والذي صدر من آدم ما اقتضته خاصية الكلمات التي تلقاها وما فيها ذكر توبة وإنما هو مجرد اعتراف وهو قوله ربنا ظلمنا أنفسنا حيث عرضوها إلى التلف وكان حقها عليهم أن يسعوا في نجاتها بامتثال نهي سيدهم وإن لم تغفر لنا وترحمنا أي وإن لم تسترنا عن وارد المخالفة حتى لا يحكم سلطانه علينا وترحمنا بذلك الستر لنكونن من الخاسرين ما ربحت تجارتنا فأنتج لهم هذا الاعتراف قوله فتاب عليهم وهدى أي رجع عليهم بستره فحال بينهم ذلك الستر الإلهي وبين العقوبة التي تقتضيها المخالفة وجعل ذلك من عناية الاجتباء أي لما اجتباه أعطاه الكلمات وهدى أي بين له قدر ما فعل وقدر ما يستحقه من الجزاء وقدر ما أنعم به عليه من الاجتباء ومع التوبة قال له اهبط هبوط ولاية واستخلاف لا هبوط طرد فهو هبوط مكان لا هبوط رتبة هبوط مكان لا هبوط مكانة * لتلقى به فوزا وملكا مخلدا كما قال من أغواه صدقا لكونه * رآه كلاما من إله مسددا فإن إبليس قال له هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى فسمع ذلك الخطاب من ربه تعالى فكان صدقا لحسن ظنه بربه فعرض له من أجل المحل الذي ظهر فيه خطاب الحق وأورثه ظهور السوآت من أجل المحل وأورثه الأكل الخلد والملك الذي لا يبلى ولكن بعد ظهور سلطانه ونيابته ونيابة بنيه في خلقه حكما مقسطا عدلا يرفع القسط ويضعه أورثه
(١٤١)