عليهم ليتوبوا استحيا الله منه أن يؤاخذه بذنب كما إن العبد يستحيي من الله في حال توبته إلى الله أن يقع منه زلة وهو في هذا الحال فإنه ليس بتائب في تلك الحال ونحن تكلمنا في التائب فالحياء له لازم والحياء يقتضي ترك الزلة في الحال ومن ترك الزلة في الحال للتائب إذا كان عارفا هو ترك نسبتها إلى ربه فينسبها إلى نفسه أدبا مع الله وفي نفس الأمر الفعل فعل الله والقدر من الله والحكم بكونها معصية وزلة حكم الله ومع هذا فالأدب يقول له انسبها إلى نفسك لما تعلق بها لسان الذم ولهذا قال في حد النفس كل خاطر مذموم والأصل فألهمها فجورها وتقواها ومن العلماء بالله من يكون ترك الزلة في الحال عندهم أن لا يشهدوا أنها زلة وهو عين قضاء الله فيها لأنه الذي حكم أنها زلة ومن حيث إنها فعل من أفعال الله فهي في غاية الحسن والجمال وإنما سميت زلة من زل إذا زلق أي زلت من نسبة كونها من أفعال الله إلى حكم الله فيها بالذم فحكم الله فيها بالزلل عن هذه المرتبة فاعلم ومن العلماء بالله من يكون ترك الزلة في حقه أن يشهد الزلة في ذلك الفعل من كونها زلة لا من كونها فعلا يتعلق به الذم أو الحمد فيشهد نسبتها للعبد التي بها سميت زلة ثم يتبعها الذم وإن كان كل فعل إلهي نسب إلى العبد من هذا الباب فجميع الأفعال الكونية كلها زلل محمودها ومذمومها ومن الناس من يكون ترك الزلة في الحال في حقه شغله برجوعه إلى ربه والذلة رجوعه عن ربه فهو في النقيض ومن هو في النقيض بالحال لا يكون في نقيضه فبالضرورة لا يكون له في هذه الحال زلة ومن الناس من يكون ترك الزلة في الحال في حقه هو شغله بشهوده رجوع الحق عليه ليرجع إليه ليفرق ما بين رجوعه عليه ليرجع إليه وبين رجوع آخر لا ليرجع إليه ليميز بين الرجوعين ليقيم على نفسه ميزان ما يجب عليه في ذلك من الله من عمل من الأعمال من ذكر بلسان أو قلب أو عمل بجارحة أو المجموع أو بعض المجموع ومن كان بهذه المثابة من الشغل فلا تقوم به زلة في الحال ومن الناس من يكون ترك الزلة في الحال في حقه أن يشهد رجوع الحق إليه لا ليميز ولا ليرجع إليه بل ليعلم حقيقة معنى الرجوع الإلهي لما ذا ينسبه هل إلى الذات أو لاسم إلهي وما سبب ذلك الرجوع هل هو ذاتي أو غير ذاتي أو لا نسبة له إلى الذات فهذه الوجوه وأمثالها مما يطلبه ترك الزلة في الحال وأما الركن الثاني وهو الندم على ما فات وهو عند الفقهاء الركن الأعظم بمنزلة قوله الحج عرفة لأنه الركن الأعظم وهنا تتشعب أمور كثيرة في التائبين ميم الندم منقلبة عن باء مثل لازم ولازب وهو أثر حزنه على ما فاته يسمى ندما والندب الأثر فقلبت ميما وجعلت لأثر الحزن خاصة وأما تعلقه بالفوات فمن أصحابنا من رأى أنه تضييع للوقت فإنه ما فات لا يسترجع ومن أصحابنا من يرى أنه صاحب الوقت وأن فائدته أن يجبر له ما مضى ويحتج بقوله إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ومن أصحابنا من يرى أنه لا يندم إلا بإحضاره في نفسه ذنبه الحائل بينه وبين ما فاته من طاعة أمر ربه عز وجل وذكر الجفاء في حال الصفاء جفاء فينبغي له أن ينسى ذنبه وهو خلاف الأول فإنه قال التوبة أن لا تنسى ذنبك والكلام فيما فاته فمنهم من يندم على ما فاته من الاستغفار في عقب كل ذنب ومنهم من يرى الندم على ما فاته من الوقت ومن الناس من يرى الندم على ما فاته من الطاعة في وقت المخالفة ومن الناس من يرى الندم على ما فاته من فعل الكبائر في وقت المخالفة لأنه يشاهد التبديل كل سيئة بما يوازنها من الحسنات كقتل نفس بإحياء نفس وذم بمحمدة وصدقة بغصب أو سرقة أو خيانة ومن الناس من يرى الندم على ما فاته من الحضور مع الله في قضائه بالمعصية في حال المعصية ومن الناس من يرى الندم على ما فاته من إضافة ذلك الفعل إلى الفاعل في حال الفعل وهو نور عظيم شعشعاني حجابه أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فقرن به السوء لما أضافه إليه فرآه حسنا ولا بد من حضرة وجودية هي التي أوجبت له الحسن الذي رآه محل الفعل إذ العدم لا يراه الممكن وما ثم حسن إلا كونه من أفعال الله وما أساءه إلا إضافته إلى العبد فإنه قال أفمن زين له بكونه لربه سوء عمله من كونه عمله فكسبه السوء فرآه حسنا بالتزيين الإلهي وزينة الله غير محرمة فهو في نفس الأمر مزين بزينة الله وعند العبد بحسب ما يحضر فيه فإن حضره تزيين الشيطان فهو سوء على سوء وإن حضره تزيين الحياة الدنيا فهو غفلة في سوء وإن حضرة تزيين الله والإضافة إلى العبد فهو حسن في سوء فإن أخذ إضافة السوء إلى العمل أدبا إلهيا فهو حسن في حسن كل شئ أنت فيه حسن لا يبالي حسن ما لبسا من
(١٤٠)