كيف وأكثر الأنهار الكبيرة - كالفرات ودجلة ونهر الأردن وغيرها - من الثلوج المتمركزة في قلل الجبال؟! بل العيون كلها منها، وتزداد وتنقص بها، وربما تجف، لعدم نزول الأمطار و (البروف).
ولكن كفاية المادة الحاصلة من غير الطريق الطبيعي - كمخازن المياه في المدائن - ممنوعة جدا، كما أن النبع الحاصل بحيلة الانسان غير كاف، ضرورة أنه لا يعد جاريا أو يكون الجاري في الأدلة منصرفا عن هذه الفروض، ومنصرفا إلى الصور التي تجري المياه ومن ورائها المواد التي هي أساسها، وتلك المواد تكون طبيعية، لا جعلية وصناعية، فلو فرضنا أنها الماء الجاري عرفا، ولكنها منصرف عنها المآثير والأخبار، كما لا يخفى.
فتحصل: شرطية السيلان في الجملة، دون النبعان، ويكفي مطلق المادة، وما أفاده المشهور: من أنه النابع السائل غير تام، لنقضه بالنابع المصنوع غير الطبيعي، لعدم إطراد سائر المواد التي يصدق معها الجاري قطعا.
وإن شئت قلت: الجاري في المآثير، عنوان يشير إلى ما يرتكز عند العرف والعقلاء، ولا حاجة إلى تحديد الفقهاء، بل في ذلك إغراء بالجهل، وإلقاء في التهلكة، لأنه من الموضوعات العرفية الواضحة عندهم، فكما أنهم (عليهم السلام) لا يعرفون الموضوعات العرفية، لأن العرف هو السند فيها، فكذلك على الفقهاء العظام ذلك.