دلالة الآية على مطهرية ماء السماء من جميع الأخباث ثم إن كون الماء المذكور مطهرا لجميع الأخباث والأحداث - خصوصا الشرعيات الاعتبارية الملتحقة بالعرفيات النافذة - في غاية الاشكال، فلعله المطهر للأنجاس العرفية والقذارات، ولموجبات تنفر الطباع البشرية، من غير نظر إلى هذه المسألة، فتكون أجنبية عن الجهة المقصودة.
اللهم إلا أن يقال: إن التحقيق في مسألة الطهارة والنجاسة، أنهما من الأمور العرفية، ولا دخالة للشرع الأقدس إلا في إلحاق بعض الأمور بها، كالخمر والخنزير والكافر، وعدم ترتيب الأحكام على بعض منها، كالنخاعة ونحوها، وإلا فما هو المستقذر عرفا المعبر عندهم عنه ب " النجس " ليس إلا ما هو عند الشرع نجس وموضوع الأحكام، وليست كلمات النجاسة والجنابة والطهارة من المستحدثات الشرعية، بل هي تستعمل عنده فيما يستعمل عندهم.
فعلى هذا، يكون الماء مطهرا عن مثل البول والمني والعذرة، وهي الأنجاس الشرعية أيضا، وتكون من المستقذرات العرفية، ويتم في الباقي بالحكومة الشرعية، لأن الشرع عبر عن جميع ما رتب عليه أحكام النجاسة ب " القذر " وذلك لنقل العرف منه إلى أحكام القذر الثابتة عندهم، من الاجتناب، وتصرف أحيانا في كيفية الاجتناب والتطهير،