محاسنه ونشر من فضائله أن قال من ذا الذي يجسر أن يخطئ الفحول من الشعراء غيره فقال أبو علي وما الذي رد عليهم فقال الرجل أنكر على ذي الرمة مع إحاطته بلغة العرب ومعانيها وفضل معرفته بأغراضها ومراميها وأنه سلك نهج الأوائل في وصف المفاوز إذا لعب السراب فيها ورقص الآل في نواحيها ونعت الحرباء وقد سبح على جدله والظليم وكيف ينفر من ظله وذكر الركب وقد مالت ظلالهم من غلبة المنام حتى كأنهم صرعتهم كؤوس المدام فطبق مفصل الإصابة في كل باب وساوى الصدر الأول من أرباب الفصاحة وجارى القروم والبزل من أصحاب البلاغة فقال له الشيخ أبو علي وما الذي أنكر على ذي الرمة فقال قوله وقفنا فقلنا أيه عن أم سالم فإنه كان يجب أن ينونه يعني أيه فقال أما هذا فالأصمعي مخطئ فيه وذو الرمة مصيب والعجب أن يعقوب بن السكيت قد وقع عليه هذا السهو في بعض ما أنشده فقلت إن رأي الشيخ أن يصدع لنا بجلية هذا الخطا تفضل به فأملى علينا أنشد ابن السكيت لأعرابي من بني أسد.
وقائلة أسيت فقلت جير * أسي إنني من ذاك انه أصابهم الحمى وهم عواف * وكن عليهم نحسا لعنه فجئت قبورهم بدءا ولما * فناديت القبور فلم يجبنه وكيف يجيب أصداء وهام * وأبدان بدرن وما نخزنه قال يعقوب قوله جير أي حقا وهي مخفوضة غير منونة فاحتاج إلى التنوين قال أبو علي هذا سهو منه لأن هذا يجري مجرى الأصوات وباب الأصوات كلها والمبنيات بأسرها إلا ما خص منها لعلة الفرقان فيها بين نكرتها ومعرفتها بالتنوين فميا كان منها معرفة جاء بغير تنوين فإذا نكرته نونته من ذلك إنك تقول في الأمر صه ومه تريد السكوت يا فتى فإذا نكرت قلت صه تريد سكوتا وكذلك قول الغراب قاق أي صوتا وكذلك أيه يا رجل تريد الحديث وأيه تريد حديثا وزعم الأصمعي ان ذا الرمة أخطأ في قوله وقفنا فقلنا أيه عن أم سالم وكان يجب أن ينونه ويقول أيه وهذا من أوابد الأصمعي التي تقدم عليها من غير علم فقوله جير بغير تنوين في موضع قوله الحق وتجعله نكرة في موضع آخر فتنونه فيكون معناه قلت حقا ولا مدخل للضرورة في ذلك إنما التنوين للمعنى المذكور وبالله التوفيق وتنوين هذا الشاعر على هذا التقدير. قال يعقوب قوله: أصابهم الحمى يريد الحمام وقوله بدرن أي طعن في بوادرهن بالموت والبادرة النحر وقوله فجئت قبورهم بدءا أي سيدا وبدء القوم سيدهم وبدء الجزور خير أنصبائها وقوله ولما أي ولم أكن سيدا إلا حين ماتوا فاني سدت بعدهم اه. ومن أخباره ما في معجم الأدباء أيضا بسنده عن أبي علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسي النحوي قال جئت إلى أبي بكر السراج لأسمع منه الكتاب وحملت إليه ما حملت فلما انتصف الكتاب عسر عليه في تمامه فقطعت عنه لتمكني من الكتاب فقلت لنفسي بعد مدة إن سرت إلى فارس وسئلت عن تمامه فان قلت نعم كذبت وإن قلت لا سقطت الرواية والرحلة ودعتني الضرورة فحملت إليه رزمة فلما أبصرني من بعيد أنشد:
وكم تجرعت من غيظ ومن حزن * إذا تجدد حزن هون الماضي وكم غضبت فما باليتم غضبي * حتى رجعت بقلب ساخط راضي ومن أخباره ما في معجم الأدباء بسنده عن أبي العلاء المعري ان أبا علي مضى من الشام إلى العراق وصار له جاه عظيم عند الملك عضد الدولة فناخسرو فوقعت لبعض أهل المعرة حاجة في العراق أحتاج فيها إلى كتاب من القاضي أبي الحسن سليمان إلى أبي علي، فلما وقف على الكتاب قال: إني قد نسيت الشام وأهله ولم يعره طرفه. ومن أخباره ما في رياض العلماء: يحكى أن جماعة وقفوا على باب أبي علي الفارسي فلم يفتح لهم فقال أحدهم: أيها الشيخ اسمي عثمان، وأنت تعلم أنه لا ينصرف، فبرز غلامه وقال: إن الشيخ يقول: إن كان نكرة فلينصرف. قال ونقل الجاربردي في أواخر شرح الشافية أنه حكي ان أبا علي الفارسي دخل على واحد من المتسمين بالعلم فإذا بين يديه جزء مكتوب فيه: قابل منقوطا بنقطتين من تحت، فقال له أبو علي: هذا خط من؟ قال: خطي فالتفت إلى أصحابه كالمغضب، وقال: قد أضعنا خطواتنا في زيارة مثله، وخرج من ساعته اه. ومن أخباره ما في معجم الأدباء في ترجمة محمد بن سعيد أبي جعفر البصير الموصلي العروضي النحوي أنه كان في النحو ذا قدم ثابتة اجتمع يوما مع أبي علي الفارسي عند أبي بكر بن شقير فقال لأبي علي في أي شئ تنظر يا فتى فقال في التصريف فجعل يلقي عليه من المسائل على مذهب البصريين والكوفيين حتى ضجر فهرب أبو علي منه إلى النوم وقال إني أريد النوم فقال هربت يا فتى فقال نعم هربت وفي معجم الأدباء أيضا ذكر أبو الحسن طاهر بن أحمد بن بشاذ النحوي في كتاب شرح الجمل للزجاج في باب التصريف منه يحكى عن أبي علي الفارسي إنه حضر يوما مجلس أبي بكر الخياط فاقبل أصحابه على أبي بكر يكثرون عليه المسائل وهو يجيبهم ويقيم عليها الدلائل فلما أنفذوا أقبل على أكبرهم سنا وأكبرهم عقلا وأوسعهم علما عند نفسه فقال له كيف تبني من سفرجل مثل عنكبوت فأجاب مسرعا سفرروت فحين سمعها قام من مجلسه وصفق بيديه وخرج وهو يقول سفرروت فاقبل أبو بكر على أصحابه وقال لا بارك الله فيكم ولا أحسن جزاءكم خجلا مما جرى واستحياء من أبي علي.
أخباره مع عضد الدولة قال ولما خرج عضد الدولة لقتال ابن عمه عز الدين بختيار بن معز الدولة دخل عليه أبو علي الفارسي فقال له ما رأيك في صحبتنا فقال له أنا من رجال الدعاء لا من رجال اللقاء فخار الله للملك في عزيمته وأنجح قصده في نهضته وجعل العافية زاده والظفر تجاهه والملائكة أنصاره ثم أنشده:
ودعته حيث لا تودعه * نفسي ولكنها تسير معه ثم تولى وفي الفؤاد له * ضيق محل وفي الدموع سعة فقال له عضد الدولة بارك الله فيك فاني واثق بطاعتك وأتيقن صفاء طويتك وقد أنشدنا بعض أشياخنا بفارس:
قالوا له إذ سار أحبابه * فبدلوه البعد بالقرب والله ما شطت نوى ظاعن * سار من العين إلى القلب فدعا له أبو علي وقال أيأذن مولانا في نقل هذين البيتين فاذن فاستملاهما منه. قال وكان مع عضد الدولة يوما في الميدان بشيراز فسأله بما ذا ينتصب الاسم المستثنى في نحو قام القوم إلا زيدا فقال أبو علي ينتصب بتقدير استثني زيدا فقال له عضد الدولة لم قدرت أستثني زيدا فنصبت هلا قدرت امتنع زيد فرفعت فقال أبو علي هذا الذي ذكرته جواب ميداني فإذا رجعت قلت لك الجواب الصحيح وفي مرآة الجنان وغيره ثم لما