فلما وصل إلى الهجاء الذي فيها والمجون مع ابن سكرة الهاشمي الهاجي لآل محمد ع منعه الشريف المرتضى من اكمالها فرأى ابن الحجاج في منامه تلك الليلة أمير المؤمنين عليا ع وهو يقول له لا ينكسر خاطرك فقد بعثنا المرتضى يعتذر إليك فلا تخرج اليه ورأى المرتضى تلك الليلة النبي ص والأئمة ع فلم يقبلوا عليه فعظم ذلك عنده وقال لهم أنا عبدكم وولدكم ومواليكم فبم استحققت هذا قالوا بما كسرت خاطر شاعرنا ابن الحجاج فتمضي اليه وتعتذر فمضى اليه وطرق الباب فقال له ابن الحجاج يا سيدي الذي بعثك إلي امرني أن لا اخرج إليك فدخل اليه واعتذر ومضى به إلى السلطان فقصا عليه القصة فأمره بانشاد القصيدة فأنشدها وأنعم عليه وحباه.
مشايخه مر قول ابن شهرآشوب أنه قرأ على ابن الرومي.
شعره من يقرأ شعر ابن الحجاج يجده على أسلوبين مختلفين تمام الاختلاف: الأول سائر على مألوف الشعر العربي في المتانة والفخامة في اللفظ والصياغة وفي المعنى والموضوع، ويبدو ابن الحجاج فيه مثل الآخرين.
الثاني: هذا الذي سماه السخف ولا يهاب الشاعر فيه ولا يتحرج من ذكر أي شئ، من لفظ أو معنى مما لم يعتد التصريح باسمه سائر الناس، ويتجنب الخوض فيه أهل الوجاهة والوقار.
وقد أكثر ابن الحجاج من هذا المذهب وعدد فنونه حتى ليبدو وكأنه علم اعلامه، ومؤسس كيانه ورأس مدرسته وعلى هذا درج القدماء وبه حكم الدارسون. وإن كنا نعلم أن للسخف مقدمات في العصور التي سبقت ابن الحجاج، ونعلم أن ابن الحجاج لم يكن وحيدا في عصره، فقد جاذبه أطراف هذا الضرب من الشعر معاصره ابن سكرة الهاشمي. وكان يقال ببغداد: إن زمانا جاد بابن سكرة وابن الحجاج لسخي جدا.
لقد كان العصر يستسيغ ما يسمع، ولا يرى غضاضة في أن يرويه وينقله، ولا يجد سببا لتحميل النص أكثر مما يحتمل، والكلمة أكثر مما تطيق، كان المسالة ضحك واضحاك ليس غير، وكان هذا اللون من الشعر داخل في دائرة المفهوم الحضاري.
ولدراسة شعر ابن الحجاج غير الفوائد التاريخية والاجتماعية والنفسية فوائد أسلوبية ولغوية، وفيه غير قليل من العامية التي ما زالت حية في العراق، وغير قليل من آثار الأدب الشعبي والأوساط العامة (1).
نظم ابن الحجاج في جميع مناحي الشعر فأكثر بل لعله لم يترك منحى من مناحيه لم ينظم فيه فإنك ستعرف أن البديع الأسطرلابي رتب شعره على 141 بابا كل باب في فن من فنون الشعر ودواوين الشعراء التي بأيدي الناس وإن لم تصل أبوابها إلى العشر من هذا العدد الا أن هذه الفنون الكثيرة مستخرجة من جملة ما اشتملت عليه الفنون المشهورة من المديح والرثاء والهجاء والغزل والفخر وغيرها فقد اشتملت حماسة البحتري على 174 بابا وحماسة أبي تمام لم تزد أبوابها على ثمانية الا أن هذه الأبواب الثمانية يمكن أن يستخرج منها أبواب كثيرة كالأبواب التي استخرجها البحتري مثل حمل النفس على المكروه. الفتك. الاصحار للأعداء.
مجاملة الأعداء. الأنفة. ركوب الموت خشية العار وغير ذلك فهذه الأبواب وإن تكثرت الا أن الأبواب المشهورة تحتوي على أكثرها أو جميعها.
وقد عرفت عند ذكر أقوال العلماء فيه قول الثعالبي أنه من سحرة الشعر وعجائب العصر وإن أدباء عصر الثعالبي اتفقوا على أنه فرد زمانه في فنه الذي شهر به وعرفت قول من يجعله في درجة امرئ القيس. وهو شاعر مطبوع متميز بين شعراء عصره وشعره سهل ممتنع يدخل في الأذن بغير إذن ويشبه شعره في الرقة والسهولة والعذوبة شعر أبي نواس وعنده في الشعر مادة غزيرة تشبه مادة أبي نواس بل هو في كثير من حالاته يشبه أبا نواس يشبهه في رقة شعره وسهولته وفي مجونه وفحشه وفي التظاهر بالفسوق وشرب الشراب والسماع إن صح ما يحكى عنهما من ذلك ويظهر أنه كان يقوله عفو الطبع وينشئه انشاء الساعة ولذلك كان كثيرا جدا حتى بلغ ديوان شعره عشرة مجلدات ويكفي في حسن شعره وتفوقه أن يعتني به الشريف الرضي فيختار منه مما خلا عن السخف والمجون ما يسميه الحسن من شعر الحسين وان يعتني به البديع الأسطرلابي فيرتبه على 141 بابا ويسميه درة التاج كما سيأتي وقد غلب على شعره السخف والمجون كما عرفت وهذا باب واسع وسبب كبير من الأبواب والأسباب الموجبة للاشتهار بين الناس والقبول عندهم والارتزاق به كما أشار اليه بقوله:
وانما هزله * مجون يمشي به في المعاش أمري وقوله يعتذر عن سخف شعره:
أنت تدري أنه يد * فع عن مالي وجاهي فان الشعر الجيد المطبوع إذا اشتمل على مثل ذلك رغب فيه أكثر الناس واستجموا به واستملحوه واحتملوا ما فيه من سخف ومجون حتى ولو تعلق ذلك بهم وحتى أكابر الناس ورؤسائهم بل هؤلاء أميل إلى ذلك ممن سواهم لا سيما في عصره الذي كثر فيه الفحش والمجون بين أكثر طبقات الكبراء والشعراء والأدباء حاشا جماعة قليلة منهم أمثال الشريفين المرتضى والرضي فكان هذا من معايب ذلك العصر ومناقصه والنفوس بطبعها ميالة إلى أمثال هذه الأمور وقد وصفه بعض أصدقائه بأنه ما وقفت له قافية كناية عن سهولة شعره وانسجامه. في اليتيمة: اهدى اليه صديق هدية وكتب اليه:
زففتها طوعا إلى شاعر * ما وقفت قط له قافية وقد أورد صاحب اليتيمة قسما وافرا من شعره في نحو من 59 صفحة وقال في آخره: ملح ابن حجاج لا تنتهي حتى ينتهي عنها وفيما أوردته منها كفاية على أنها غيض من فيضها وقراضة من تبرها ولكن الكتاب لا يتسع لأكثر من ذلك اه.
ديوان شعره اشتهر ديوان شعره اشتهارا مفرطا ورغب الناس في اقتنائه قال الثعالبي: بلغني أنه كثيرا ما بيع ديوان شعره بخمسين إلى سبعين دينارا.
وقال أيضا: وديوان شعره أسير في الآفاق من الأمثال وأسرى من الخيال.
وقال ابن الأثير ديوانه مشهور وقال ابن خلكان ديوانه كبير وأكثر ما يوجد في