الشاه كسروا كل نارجيلة في القصر والشاه لا يعلم بذلك فطلب من خادمه اصلاح نارجيلة والاتيان بها على العادة فذهب الخادم وعاد وابطا حضور النارجيلة فأمره باحضارها فذهب وعاد بدونها حتى فعل ذلك ثلاث مرات وفي المرة الثالثة غضب الشاه وانتهره فاجابه الخادم عفوا لم يبق في القصر نارجيلة واحدة وكلها كسرها الخانمات وقلن ان الميرزا الشيرازي حرم التدخين وحتى ان بعض الفسقة كانوا في المقهى فكسروا نارجيلاتهم لما سمعوا ان الميرزا حرم التدخين فقال لهم بعض الجالسين أنتم ترتكبون كل منكر ولا تتورعون عن محرم وتفعلون هذا لأنكم سمعتم ان الميرزا حرم التدخين فقالوا اننا نفعل المعاصي ولنا امل بالرسول وآل بيته ان يشفعوا لنا إلى الله في غفران ذنوبنا والميرزا اليوم هو نائبهم وحامي شرعهم ومؤديه إلى الناس فنحن نأمل ان يشفع لنا عندهم فإذا أغضبناه فمن الذي يشفع لنا وهكذا ترك عشرون مليونا في إيران التدخين عملا بأمر الميرزا الشيرازي لأنه بلغهم انه حرم التدخين فاضطر الشاه إلى فسخ الامتياز مع الشركة الإنكليزية ودفع ما خسرته بسبب ذلك.
فقايس بين هذا وبين ما جرى للدولة الفرنسية حين أرادت تجديد امتياز حصر الدخان في سوريا ولبنان وساء ذلك البطريرك الماروني في لبنان وعلاقته بالفرنسيين وثيقة فأرسل برقية من فلسطين التي هي تحت الانتداب الانكليزي إلى دولة فرنسا يطلب فيها عدم تجديد الامتياز ولم يستطع ارسالها من سوريا أو لبنان اللذين كانا تحت الانتداب الفرنسي لكن الفرنسيين لم يلتفتوا إلى ذلك ومضوا في تجديد امتيازهم.
وقد ألف أحد تلاميذه الشيخ حسن علي الكربلائي في ذلك رسالة.
ما جرى بعد وفاته في امر التقليد كان في حياته جماعة من أكابر العلماء ولكل منهم مقلدون ولكن جمهور الناس مقلد له كما مر فلما توفي تفرق مقلدوه فرقا وتوزعوا بين المجتهدين السابقين فزاد مقلدة البعض وقلد بعض من لم يكن مقلدا واشتهر من كان غير مشتهر. وكان في النجف رجل صحاف من العجم اسمه الحاج باقر يجلد الكتب ويصلحها فقلنا له ونحن جماعة من باب المطايبة أنت يا حاج باقر لمن قلدت فقال قلدت السيد كاظم اليزدي فقلنا ولما ذا: فقال لما توفي الميرزا رفع كل واحد من العلماء بيرقا اما السيد كاظم فذهب إلى مسجد السهلة وانزوى فلذلك قلدته.
جملة مما صدر منه من الأقوال والافعال والاعمال الحكيمة الدالة على رجحان عقله وحسن تدبيره واخلاص نيته وبعد نظره.
منها خروجه من النجف واستيطانه سامراء وبناؤه فيها المدارس والأسواق على ما مر شرحه ومنها بناؤه الجسر في سامراء كما شرحه أيضا ومنها بره واكرامه لأهل سامراء لكنهم جحدوا أخيرا النعمة وجرت منهم أمور لا تحمد وكان لهم من يشجعهم على ذلك سرا كما مرت الإشارة اليه ومنها تعيينه المشاهرات السرية الكثيرة لأهل البيوتات الذين يحسبهم الجاهلون أغنياء من التعفف وللمفلسين من التجار الاجلاء ولا يعلم بذلك أحد الا بعد وفاته ومنها تعيينه المشاهرات للطلاب في خارج سامراء لا سيما من يتوسم فيهم الرقي وقد بلغني ان الشيخ ملا كاظم الخراساني المحقق المؤلف المدرس الشهير لم يزل يقبض المشاهرات منه وهو في النجف والمترجم في سامراء حتى توفي المترجم ومنها انه كان يقصده كل محتاج ولا يرجع من عنده خائبا ومنها ان الواردين إلى سامراء من متوقعي البر كانوا يصلون إليها فيزورونه ويعلم بوصولهم ولا يتكلمون معه بشئ حتى تمضي لهم أيام فبعضهم أيام قليلة كأسبوع أو دونه وبعضهم قد يمضي لهم شهر ثم يأذن لهم في الذهاب فيذهبون لعلمهم من العادة الجارية ان الحوالة تتبعهم وجملة منهم يستدينون في مدة مقامهم فإذا ذهبوا أحالوا عليه فيدفع حوالتهم فقيل له في ذلك انك لو أذنت لهم في الانصراف ثاني يوم ورودهم لتوفر ما يستدينونه فقال لو فعلت هذا لأتاني أضعافهم فلا أستطيع القيام بحوائجهم اما بهذه الحال فلا يأتيني غالبا الا شديد الحاجة ومنها انه كان لا يدفع لهم في سامراء بل تأتيهم الحوالة إلى الكاظمية ليلة ورودهم على يد وكيله فيها وهم يعلمون ذلك ولا يطلبون منه في سامراء لعلمهم انه لا يمكن وهذا التدبير لدفع الحاحهم في طلب الزيادة فإنهم إذا وصلوا الكاظمية لم يعودوا ومنها انه كان يكتب حوالاته في ورقة لا تتجاوز قدر الكف ويوقعها ويختمها ولا يدع فيها مكانا لكتابة شئ وكلها بخط يده الجميل فقيل له في ذلك فقال الزيادة على هذا اسراف وإذا ملئت لم يبق محل لأن يزيد فيها أحد شيئا ومنها انه كان متواضعا مقتصدا في لباسه ومعاشه وسائر أموره وكان يصرف على نفسه وعياله من حاصل املاك له موروثة ولا يصرف مما يأتيه من الأموال شيئا الا ما يضطر اليه بل يصرف الجميع على الفقراء والطلاب والمصالح الخيرية ومنها ما حدثني به بعض المطلعين على أحواله انه كان يجمع ثقاب الكبريت التي يشعل بها تتن السبيل نهارا ويشعله بها ليلا من السرج لئلا يشعل ثقابا جديدة ومنها انه كان يسال عن العلماء والطلاب الذين هم خارج سامراء ويتعرف أحوالهم من القادمين عليه فكان يعرف أحوالهم كأنهم معه حتى إذا سئل عن أحدهم لا يحتاج إلى أن يسال أحدا ومنها انه كان إذا استفتي في مسالة يلتفت إلى الحاضرين في مجلسه من أهل العلم فيسألهم واحدا واحدا ما رأيك في هذه المسالة وفي ذلك فائدتان إحداهما ضم آرائهم إلى رأيه لعله يستفيد منهم شيئا لم يكن يكن بباله والثانية معرفة أقدارهم في العلم لأنه قد يحتاجها إذا سئل عنهم ومر اني سألته عن مسالة ففعل مثل ذلك ومنها انه كان إذا بلغه عن بعض أهل العلم ما يوجب القدح فيه ترك السؤال عنه من الوافدين لا يزيد على ذلك ومنها انه سئل كتابة شهادة بالاجتهاد لبعض من اشتهر بالفضل فأبى فقيل له هل تشك في اجتهاده فقال لا ولكن ليس كل مجتهد يجاز ولا كل مجتهد يجيز كأنه كان ضعيف العقل ومنها انه طلب منه أحد أبناء عمنا شهادة بالاجتهاد فقال له اكتبها ولا تزد على الواقع فان الزيادة على الواقع تضيع الواقع فقال لي فكتبتها كما قال فوقعها وأمضاها وقوله الزيادة على الواقع تضيع الواقع من أبلغ الحكم وأنفعها.
ومنها أنه ما وردت عليه مسالة أو أراد الخوض في بحث الا وكتب تلك المسالة وما يمكن ان يقال فيها من نقض وابرام قبل ان يجيب عنها أو يباحثها فكانت تجمع تلك الأوراق من مجلسه في كل أسبوع وتلقى في دجلة ولا ندري لما ذا لم تكن تحفظ ولو حفظت لاستفاد منها الناس بعده ولعل الأوراق التي كانت تلقى في دجلة كانت في غير المسائل العلمية.
مشايخه 1 الشيخ محمد تقي الأصفهاني صاحب حاشية المعالم 2 السيد حسن البيدابادي الشهير بالمدرس 3 الملا محمد إبراهيم الكلباسي 4