ونعب بهم غرائب الشتات والتفريق واستباحتهم يد الشدائد واتى الله بنيانهم عن القواعد. ولم تزل النفوس منذ طرق اتسز بن اوق اللعين هذه البلاد وانجم فيها أنجم الفساد وتعدى حدود الله وكلماته وتعرض لمساخطه ونقماته عالمة بان املاء الحضرة العلية مد الله ظلها على الكافة لم يكن عن استعمال رخصة في هذه الحال ولا سكون إلى عوارض من الاغفال والاهمال بل هو امر ركب فيه متن التدبير واتبع فيه قوله تعالى فأمليت للذين كفروا ثم اخذتهم فكيف كان نكير. وحين قدمته المطالع المردية إلى القاهرة مؤملا انفصام عروة الله المتينة وأفول ما توقد من شجرة مباركة زيتونة سكنت النفوس إلى أن الحضرة العلية ثبت الله مجدها ستجرد له من عزماتها الباقية ما يعجل دماره وتنتضي له من آرائها الكاملة ما يعفي آثاره وحين توالت الأنباء بانكسار اللعين وما منحته الحضرة من النصر المبين وولى المخذول على ادباره علم أن لله عناية بالدولة الزاهرة وتحقق ان له سبحانه رعاية بالملة الطاهرة والله المحمود على ما منح الأمة من هذه النعمة والمسؤول أن يشد ببقاء الحضرة العلية قواعد الاسلام ويستخدم لها السيوف والأقلام حتى لا يبقى على الأرض مفحص قطاة الا وقد دوخته سنابك خيولها ولا مسقط نواة إلا وقد ركزت فيه صدور رماحها ونصولها فقد دفعت خطبا جسيما ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء وكان فضل الله عليك عظيما فاما العبد المملوك فقد تلاعبت به أيدي الاقدار وقذفته العطلة في هوة بعيدة الأقطار وهو يعد نفسه ويمنيها ان مراحم الحضرة تسعد كساد بضاعته نفاقا واضطراب حاله انتظاما واتساقا وسكون ريحه خفوقا وغروب حظه شروقا إن شاء الله تعالى:
وكتب إلى بعض اخوانه:
أغب كتاب مولاي حتى أضرم نارا في الفؤاد وحالف بين جفني والسهد ثم وافى بلفظه الرائق العذب * وأغنى عن الزلال البرود وقرأته متنزها * في روضه وغديره جمل البلاغة كلها * تختال بين سطوره فالدر في منظومه * والسحر في منثوره والله تعالى يسهل من ألطافه الخفية ما يجمع الشمل ويقرب الدار ويدني المزار بمحمد وآله الأئمة الأطهار واما حالي بعده وتأسفي على الفائت من أخلاقه التي هي من الحس أدق ومن الماء أصفى وأرق فحال صب حولف بين طرفه وسهاده وحرم لذيذ رقاده واما عتبه علي لتأخر كتبي عنه فهو يعلم انني إذا واصلت أو أغببت انه سمير خاطري وان غاب عن ناظري:
يا غائبا عن ناظري * وخاطرا في خاطري لا تخش مني جفوة * فباطني كالظاهر والله يعلم اني لم أغفل كتابه صرما وهجرا فإنه من العين بمكان السواد ومن الصدر بموضع الفؤاد وكتابه هو فسحة للصدر ومنية ما يطلب من الدهر ولرأيه علوه في امضائه إلي ووفوده علي.
وكتب إلى ابن المغربي يهنئه بالفتوح: أطال الله بقاء سيدنا الوزير الاجل ما سطع الصبح بعموده وهمهم السحاب برعوده:
نعتده ذخر العلا وعتادها * ونراه من كرم الزمان وجوده الدهر يضحك من بشاشة بشره * والعيش يطرب من نضارة عوده فقد البس الله الدهر من مناقب الحضرة السامية ما اخرس اللائمة وأفاض على الكافة من آلائها ما تملك به رق المآثر ويعجز عنه كل ناظم وناثر يقصر عنه لسان البليغ ويفضل عن مقلة الناظر فما ينفك خلد الله أيامه يذود عن الدولة برأي صائب وحسام قاضب:
ما زال قائد كتبة وكتيبة * باصيل رأي منصل وفؤاد شبهان من قلم ومن صمصامة * شهرا ليوم ندى ويوم جلاد وما وقفت في هذا المقام موقفا وحشيا ولا وقع عندها موقعا أجنبيا بل اقتفت آثار اسلاف خفقت عليها ألوية المعالي وبنودها ووسمت بأسمائهم جباه الممالك وخدودها:
كتاب ملك يستقيم برأيهم * أود الخلافة أو اسود صباح بصدور أقلام يرد إليهم * شرف الرياسة أو صدور رماح كان العبد خدم المجلس السامي بخدمة التهنئة بما فتح الله تعالى من الظفر بالعدو الذي أطاع شيطانه واتبع ما أسخط الله وكره رضوانه وجرى الله على جميل عادته زلزلة اطواده واستئصال احزابه واجناده الذين غدت الرماح تستقي مياه نحورهم والسيوف تنهب ودائع صدورهم:
ما طال بغي قط الا غادرت * فعلاته الاعمار غير طوال فتح أضاء به الزمان وفتحت * فيه الأسنة زهرة الآمال وأرجو ان يكون التوفيق قضى بوصولها وأذن في قبولها:
فيمتد ظل ويثري مقل * بصوب من العارض المستهل أيعجز فضلك عن خادم * وأنت بأمر الورى مستقل وكتب إلى صارم الدولة بن معروف وكأنه من امراء الفاطميين أطال الله بقاء الحضرة الصارمية يجري القدر على حسب أهويتها ويعقد الظفر بعزائم ألويتها وتحلى بذكرها ترائب الأيام العاطلة وتنجز بكرمها عدات الحظوظ المماطلة ما أصحب الجامح وأضاء السماك الرامح:
وما سجلت في مفرق الأرض ذيلها * خوافق ريح للسحاب لواقح إذا رفض الناس المديح وطلقوا * بنات العلا زفت اليه المدائح فالحمد لله الذي جعل الحضرة السامية عقال الخطوب العوارم ونظام المحاسن والمكارم يعتدها الزمن نسيب أصائله وزهر خمائله وشموس مشارقه وتيجان مفارقه فيجب على كل من ضم على اليراعة بنانه وأطلق في ميدان البراعة عنانه ان لا يخلي مجلسه من مدح معروضة وخدم مفروضة:
عسى منة تقوى على شكر منة * وهيهات أعيا البحر من هو راشف ولو كنت لا تولي يدا مستجدة * إلى أن توفي شكر ما هو سالف حميت حريم المال من سطوة الندى * وغاضت وحاشاها لديك العوارف وكم عزمة في الشكر كانت قوية * فاضعفها احسانك المتضاعف رعى الله من عم البرية عدله * فانصف مظلوم وأومن خائف فكم أهل بلد هدته نصر الله عزائمها بعد الضلال وحر استنقذته من حبائل الاقلال ومرهق خففت عنه وطأة الزمن المتثاقل وطريد بوأته من حرمها امنع المعاقل: