عيسى فنزل الحيرة وفي اليوم الثاني اقتتلوا إلى الليل ثم اقتتلوا في اليوم الثالث ثم اصلح بينهم رؤساء أهل الكوفة على أن يخرج العباس وأصحابه منها بالأمان ودخلها عيسى وأصحابه. وامر إبراهيم بن المهدي عيسى ان يسير إلى ناحية واسط وامر آخرين من القواد بذلك فعسكروا قرب واسط فكانوا يركبون حتى يأتوا عسكر الحسن بواسط كل يوم فلا يخرج إليهم أحد وهم متحصنون بالمدينة ثم خرج إليهم الحسن وأصحابه فاقتتلوا قتالا شديدا إلى الظهر وانهزم عيسى وأصحابه.
وزارة الحسن بن سهل للمأمون بعد قتل أخيه الفضل قال الطبري وابن الأثير في حوادث سنة 202 فيها سار المأمون من مرو إلى العراق لأن علي بن موسى اخبره بما فيه من الفتنة منذ قتل الأمين وبما كان الفضل بن سهل يستر عنه من الاخبار وان أهل بيته والناس بايعوا إبراهيم بن المهدي وان الحرب قائمة بين الحسن بن سهل وإبراهيم والناس ينقمون عليك مكانه ومكان أخيه الفضل ومكاني ومكان بيعتك لي من بعدك أقول وهذا وفاء من الإمام الرضا ع ونصيحة للمأمون وان كان الفضل واخوه يتشيعان لأن المفسدة في ترك ذلك عظيمة فاثر الإمام الرضا ع المصلحة العامة على المصلحة الخاصة. قال الطبري وابن الأثير فقال المأمون ومن يعلم ذلك قال وجوه العسكر فأخبروه لما امنهم من الفضل بالبيعة لإبراهيم بن المهدي وان أهل بغداد سموه الخليفة السني واتهموا المأمون بالرفض لمكان علي بن موسى منه وأعلموه بما هو عليه الفضل من امر هرثمة بن أعين وان هرثمة انما جاءه لينصحه فقتله الفضل وان طاهر بن الحسين قد أبلى في طاعته فأخرج من الأمر كله وجعل في زاوية من الأرض بالرقة لا يستعان به في شئ وانه لو كان ببغداد لضبط الملك فامر المأمون بالرحيل فلما اتى سرخس وثب قوم بالفضل بن سهل فقتلوه في الحمام فقتلهم المأمون وبعث برؤوسهم إلى الحسن بن سهل واعلمه ما دخل من المصيبة بقتل الفضل وانه قد صيره مكانه فلم يزل الحسن بواسط حتى أدركت الغلة وجبى بعض الخراج اه.
اخباره حين تزوج المأمون ابنته بوران في كتاب تجارب السلف تأليف هندوشاه بن سنجر بن عبد الله النخشواني ما تعريبه ان المأمون خطب بوران بنت الحسن بن سهل فزوجه إياها عمها الفضل بن سهل وعقد عليها غرة المحرم سنة 202 اه وينبغي ان يكون هذا العقد في خراسان وهي مع أبيها في العراق وقال الطبري وابن الأثير في حوادث سنة 202 فيها تزوج المأمون بوران بنت الحسن بن سهل ثم ذكرا في حوادث سنة 210 انه في هذه السنة بنى المأمون ببوران ابنة الحسن بن سهل اه. فدل ذلك على أن التزويج كان أولا مجرد الإملاك ثم بنى بها بعد الإملاك بثمان سنين بعد ما جاء من خراسان إلى العراق وكان بناؤه بها بفم الصلح قال ابن خلكان فم الصلح بفتح الفاء بعدها ميم وكسر الصاد المهملة وبعد اللام الساكنة حاء مهملة وهي بلدة قريبة من واسط كذا ذكره السمعاني وقال العماد الكاتب في الخريدة الصلح نهر كبير يأخذ من دجلة بأعلى واسط عليه نواح كثيرة وقد علا النهر وآل امر تلك المواضع إلى الخراب قال ابن خلقان والعماد بذلك اخبر من السمعاني لأنه أقام بواسط زمانا طويلا متولي الديوان بها اه. وفي معجم البلدان الصلح نهر كبير فوق واسط بينها وبين جبل عليه عدة قرى وفيه بنى المأمون ببوران اه. فيظهر أن الصلح اسم للنهر وفم الصلح يمكن ان يكون هو مخرجه من دجلة وعلى فمه قرية تسمى فم الصلح وبها دار الحسن قال الطبري في حوادث سنة 210 شخص المأمون حين شخص إلى هنالك للبناء ببوران راكبا زورقا حتى أرسى على باب الحسن وكان العباس بن المأمون قد تقدم أباه على الظهر فتلقاه الحسن خارج عسكره في موضع قد اتخذ له على شاطئ دجلة بني له فيه جوسق فلما عاينه العباس ثنى رجله لينزل فحلف عليه الحسن ان لا يفعل فلما ساواه ثنى رجله الحسن لينزل فقال له العباس بحق أمير المؤمنين لا تنزل فاعتنقه الحسن وهو راكب ودخلا جميعا منزل الحسن ووافى المأمون في وقت العشاء وذلك في شهر رمضان من سنة 210 فأفطر هو والحسن والعباس وفي الليلة الثالثة دخل ببوران وفي تجارب السلف وغيره انها ليلة الزفاف كانت حائضا فقالت يا أمير المؤمنين اتى امر الله فلا تستعجلوه ففهم مرادها وهذا كان سبب تأخير دخوله بها إلى اليوم الثالث وعد ذلك من فصاحتها وحسن كنايتها وأوقد في تلك الليلة شمعة عنبر فيها أربعون منافي تور من ذهب فأنكر المأمون ذلك عليهم وقال هذا سرف وهكذا كانت تنفق أموال الأمة في السرف والملاذ والشهوات وكم في الأمة من يتيم أو فقير بيت جائعا ولا يجد القوت قال وذكر ان المأمون أقام عند الحسن بن سهل سبعة عشر يوما وقيل أكثر يعد له في كل يوم ولجميع من معه جميع ما يحتاج اليه وان الحسن خلع على القواد على مراتبهم وحملهم ووصلهم وكتب الحسن رقاعا فيها أسماء ضياعه ونثرها على القواد وعلى بني هاشم فمن وقعت في يده رقعة منها فيها اسم بعث فتسلمها وفي الفخري انه جعل الرقاع في بطاطيخ من عنبر قال الطبري وكان مبلغ النفقة عليهم خمسين ألف ألف درهم وامر المأمون غسان بن عباد عند منصرفه ان يدفع إلى الحسن عشرة آلاف ألف من مال فارس واقطعه الصلح فحملت اليه ففرقها في قواده وأصحابه وحشمه فلما انصرف المأمون شيعه الحسن ثم رجع إلى فم الصلح وفي تجارب السلف ان الحسن بن سهل كان قد بنى مدينة في الموضع المعروف بفم الصلح واقام فيها وبعد ما جاء المأمون إلى بغداد ذهب إلى فم الصلح بجميع أهله وعسكره ونزل هناك فعمل له الحسن بن سهل ولجميع عسكره دعوة عظيمة لم يرو ولم يسمع بمثلها جمعت أنواع المآكل والمطاعم الشريفة الكثيرة التي عجز الناس عن حملها ويقال ان المتوكل عمل دعوة عظيمة اجتمع عليها خلق كثير فلما جلسوا على السماط قال المتوكل انظروا هل هنا أحد ممن رأى دعوة فم الصلح وكان هناك شيخ طاعن في السن فقال انا رأيتها فقال له المتوكل كيف دعوتنا هذه بالنسبة إليها فسكت الشيخ فقال المتوكل قل ما عندك ولا تخف فقال أقول مختصرا أو مطولا فقال بل مختصرا فقال الشيخ يا أمير المؤمنين لما فرع الناس من الطعام ذلك اليوم وذهبوا إلى مواضعهم بقي تل عظيم من القلوب والكروش والريش وغيرها وتعفن وبقوا مدة ينقلونه على الدواب والجمال ويلقونه في دجلة ووضعوا الصحون امام الناس وكلها من لحوم الدجاج فندم المتوكل على هذا السؤال وأغلق الباب. وبالجملة كان مع المأمون لما ذهب إلى فم الصلح أربعة آلاف ملاح يسيرون السفن. ومن هنا يعلم كم كان عدد الخواص والخدم والعساكر الذين ركبوا في السفن وهؤلاء الجماعة كلهم بقوا مدة في ضيافة الحسن بن سهل اه. وحكى ابن خلكان في تاريخه وغيره انه فرش للمأمون في دار الحسن بن سهل حصير منسوج بالذهب فلما وقف عليه نثرت على قدميه لآلئ كثيرة فقال قاتل الله أبا نواس كأنه شاهد