وثانيا: بان اللغوي ليس من اهل الخبرة في تشخيص الأوضاع، بل هو من اهل الخبرة في موارد الاستعمال، فان همه ضبط موارد الاستعمال بلا نظر إلى تعيين ما هو الحقيقة منها وما هو المجاز، والا لوضعوا علامة على ذلك في كتبهم.
أقول: ما ذكره أولا مسلم لا نقاش لنا فيه.
واما ما ذكره ثانيا من أن اللغوي لا يهمه سوى نقل موارد الاستعمال، فهو يحتمل وجهين:
الأول: ان اللغوي ينق موارد الاستعمال بنحو الموجبة الجزئية بلا نظر إلى حصرها فيما يذكره منها ونفي استعمال اللفظ في غيرها.
الثاني: انه ينظر إلى حصر موارد الاستعمال في خصوص ما يذكر للفظ من معنى أو معان.
فعلى الأول، لا ينفعنا قول اللغوي بشئ ولو أوجب لنا الوثوق، مع احتمال أن يكون للفظ معنى آخر غير ما ذكره، فلا يستطيع معرفة ما هو ظاهر اللفظ.
وعلى الثاني، فقد ينفعنا في بعض الأحيان، فإنه إذا حصل الوثوق، بقوله وقد ذكر للفظ معان ثلاثة - مثلا -، كان اللفظ مرددا بينها لا غير - كاللفظ المشترك المعلوم وضعه لمعان متعددة -، فقد تكون هناك قرينة في الكلام تعين أحد هذه المعاني، فيعرف ظاهر اللفظ إن لم يعرف الموضوع له.
هذا مع أنه قد ينقل اللغوي استعماله في معنى واحد لا غيره، فيعرف انه هو الموضوع له إذ لم يستعمل في غيره.
وقد استشكل المحقق النائيني (رحمه الله) (1) في صغرى كون اللغوي من اهل الخبرة - بعد ما ذهب إلى اختصاص حجية قول اهل الخبرة بما إذا أوجب