وهو عدالة الماضين من رواة الحديث، بأن الطريق إلى ذلك منحصر في النقل، والقدر الذي يفيد العلم منه عزيز الوجود بعيد الحصول، وشهادة الشاهدين موقوفة في الأظهر على العلم بالموافقة في الأمور التي تتحقق به العدالة وتثبت، وما إلى ذلك من سبيل، فإن آراء المؤلفين لكتب الرجال الموجودة الان سوى العلامة في هذا الباب غير معروفة.
وليس بشئ، فإن تحصيل العلم بعدالة كثير من الماضين وبرأي جماعة من المزكين أمر ممكن بغير شك، من جهة القرائن الحالية والمقالية، إلا أنها خفية المواقع، متفرقة المواضع، فلا يهتدى إلى جهاتها ولا يقدر (1) على جميع أشتاتها إلا من عظم في طلب الإصابة جهده، وكثر في تنقيح (2) الآثار كده، ولم يخرج عن حكم الاخلاص في تلك الأحوال قصده.
وأما (ما) ذكره جماعة من أن العدالة من الأمور الباطنية التي لا يعلمها إلا الله، وما هذا شأنه لا يتصور فيه إناطة التكليف بالعلم، فكلام شعري ناشئ عن قصور معرفته (3) بحقيقة العدالة، أو مبني على خلاف ضعيف في بعض قيودها) (4) إلى أن قال:
(سلمنا، ولكن نمنع كون تزكية الواحد بمجردها مفيدة للظن. كيف، وقد علم وقوع الخطأ فيها بكثرة، وحيث إن هذا (5) مما لم يتيسر لكل أحد الاطلاع عليه، فالمتوهم لحصول الظن منها بمظنة أن يعذر فيه.
سلمنا، ولكن العمل بالظن مع تعذر العلم في أمثال محل النزاع مشروط بانتفاء ما هو أقوى منه، ولا ريب أن الظن الحاصل من خبر الواحد الذي استفيدت عدالته من تزكية الواحد يكون أضعف مما يحصل من أصالة البراءة أو عموم الكتاب، فلا يتم لهم إطلاق القول بحجية خبر الواحد، والخروج (6) عن أصالة البراءة وعمومات الكتاب) (7).
انتهى.