ثمانين جلدة قالوا: ولو كان التغريب واجبا لما أخل به النبي صلى الله عليه وآله وسلم . فيجاب عنه باحتمال أن يكون ذلك قبل مشروعية التغريب، غاية الأمر احتمال تقدمه وتأخره على أحاديث التغريب، والمتوجه عند ذلك المصير إلى الزيادة التي لم تقع منافية للمزيد، ولا يصلح ذلك للصرف عن الوجوب إلا على فرض تأخره ولم يعلم، وهكذا يقال في حديث: إذا زنت أمة أحدكم المتقدم، وبه يندفع ما قاله الطحاوي من أنه ناسخ للتغريب معللا ذلك بأنه إذا سقط عن الأمة سقط عن الحرة لأنها في معناها قال ويتأكد ذلك بأحاديث: لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم وقد تقدمت. قال: وإذا انتفى عن النساء انتفى عن الرجال، قال: وهو مبني على أن العموم إذا خص سقط الاستدلال به وهو مذهب ضعيف انتهى. وغاية الامر أنا لو سلمنا تأخر حديث الأمة عن أحاديث التغريب كان معظم ما يستفاد منه أن التغريب في حق الإماء ليس بواجب ولا يلزم ثبوت مثل ذلك في حق غيرها أو يقال: إن حديث الأمة المذكور مخصص لعموم أحاديث التغريب مطلقا على ما هو الحق من أنه يبني العام على الخاص تقدم أو تأخر أو قارن، ولكن ذلك التخصيص باعتبار عدم الوجوب في الخاص لا باعتبار عدم الثبوت مطلقا، فإن مجرد الترك لا يفيد مثل ذلك، وظاهر أحاديث التغريب أنه ثابت في الذكر والأنثى، وإليه ذهب الشافعي، وقال مالك والأوزاعي: لا تغريب عن المرأة لأنها عورة وهو مروي عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، وظاهرها أيضا أنه لا فرق بين الحر والعبد، وإليه ذهب الثوري وداود والطبري والشافعي في قول له والامام يحيى ويؤيده في قوله تعالى: * (فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) * (النساء: 25). وقد ذهب بعضهم إلى أنه ينصف في حق الأمة والعبد قياسا على الحد وهو قياس صحيح. وفي قول للشافعي إنه لا ينصف فيهما.
وذهب مالك وأحمد بن حنبل وإسحاق والشافعي في قول له وهو مروي عن الحسن إلى أنه لا تغريب للرق واستدلوا بحديث: إذا زنت أمة أحدكم المتقدم، وقد تقدم الجواب عن ذلك، وسيأتي الحديث أيضا في باب السيد يقيم الحد على رقيقه.
وظاهر الأحاديث المذكورة في الباب أن التغريب هو نفي الزاني عن محله سنة، وإليه ذهب مالك والشافعي وغيرهما ممن تقدم ذكره. والتغريب يصدق بما يطلق عليه اسم الغربة شرعا، فلا بد من إخراج الزاني عن المحل الذي لا يصدق عليه اسم