أنه لا يجب على الرجل أن يؤثر زوجته وسائر قرابته بما يحتاج إليه في نفقة نفسه، ثم إذا فضل عن حاجة نفسه شئ فعليه إنفاقه على زوجته، وقد انعقد الاجماع على وجوب نفقة الزوجة، ثم إذا فضل عن ذلك شئ فعلى ذوي قرابته، ثم إذا فضل عن ذلك شئ فيستحب له التصدق بالفاضل، والمراد بقوله هكذا وهكذا أي يمينا وشمالا كناية عن التصدق. واعلم أنه قد وقع الاجماع على أنه يجب على الولد الموسر مؤنة الأبوين المعسرين كما حكي ذلك في البحر واستدل له بقوله تعالى: * (وبالوالدين إحسانا) * (البقرة: 83) ثم قال: ولو كانا كافرين لقوله تعالى: * (وإن جاهداك) * (لقمان: 15) وأنت ومالك لأبيك ثم حكى بعد حكاية الاجماع المتقدم عن العترة والفريقين أن الام المعسرة كالأب في وجوب نفقتها.
(واستدل) بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: أمك ثم أمك الخبر. وحكي عن مالك الخلاف في ذلك لعدم الدليل. وأجاب عليه بأن هذا الخبر دليل، وعلى فرض عدم الدليل فبالقياس على الأب، ثم قال: وكذا الخلاف في الجد أبي الأب. ثم حكي عن عمرو بن أبي ليلى والحسن بن صالح والعترة وأحمد بن حنبل وأبي ثور أنها تجب النفقة لكل معسر على كل موسر إذا كانت ملتهما واحدة وكانا يتوارثان، واستدل لذلك بقوله تعالى : * (وعلى الوارث مثل ذلك) * (البقرة: 233) واللام للجنس. وحكي عن أبي حنيفة وأصحابه أنها إنما تلزم للرحم المحرم فقط. وعن الشافعي وأصحابه: لا تجب إلا للأصول والفصول فقط. وعن مالك: لا تجب إلا للولد والوالد فقط. وقد أجيب عن الاستدلال بالآية المذكورة بمنع دلالتها على المطلوب، ودعوى أن الإشارة بقوله ذلك إلى عدم المضارة وعلى التسليم فالمراد وارث الأب بعد موته. والأولى أن يقال لفة الوارث فيه احتمالات: أحدها أن يراد المولود له المذكور في صدر الآية وهو المولود وقد قال بهذا قبيصة بن ذؤيب. الثاني: أن يراد وارث المولود وبه قال الجمهور من السلف وأحمد وإسحاق وأبو ثور. الثالث: أن يراد به الباقي من الأبوين بعد الآخر وبه قال سفيان وغيره، فحينئذ لفظ الوارث مجمل، لا يحمل حمله على أحد هذه المعاني إلا بدليل، مع أنه لا يصح الاستدلال بالآية على وجوب نفقة كل معسر على من يرثه من قرابته الموسرين، لأن الكلام في الآية في رزق الزوجات وكسوتهن، ولكنه يدل على المطلوب عموم فلذي قرابتك. قوله: تصدق به على ولد ك فيه دليل على أنه يلزم الأب نفقة ولده المعسر، فإن كان الولد صغيرا فذلك إجماع كما حكاه صاحب البحر، وإن كان كبيرا فقيل