بالأول، وذهبت العترة والحنفية إلى أنه لا بد من رجلين أو رجل وامرأتين كسائر الأمور، ولا تكفي شهادة المرضعة وحدها، بل لا تقبل عند الهادوية لأن فيها تقريرا لفعل المرضعة، ولا تقبل عندهم الشهادة إذا كانت كذلك مطلقا، ولكنه حكي في البحر عن الهادوية والشافعية والحنفية أنه يجب العمل بالظن الغالب في النكاح تحريما، ويجب على الزوج الطلاق إن لم تكمل الشهادة، واستدل لهم على ذلك بهذا الحديث. وقال الامام يحيى: الخبر محمول على الاستحباب، ولا يخفى أن النهي حقيقة في التحريم كما تقرر في الأصول فلا يخرج عن معناه الحقيقي إلا لقرينة صارفة، والاستدلال على عدم قبول المرأة المرضعة بقوله تعالى: * (واستشهدوا شهيدين من رجالكم) * (البقرة: 282) لا يفيد شيئا لأن الواجب بناء العام على الخاص، ولا شك أن الحديث أخص مطلقا. وأما ما أجاب به عن الحديث صاحب ضوء النهار من أنه مخالف للأصول فيجاب عنه بالاستفسار عن الأصول، فإن أراد الأدلة القاضية باعتبار شهادة عدلين أو رجل وامرأتين فلا مخالفة لأن هذا خاص وهي عامة، وإن أراد غيرها فما هو؟ وأما ما رواه أبو عبيد عن علي وابن عباس والمغيرة أنهم امتنعوا من التفرقة بين الزوجين بذلك، فقد تقرر أن أقوال بعض الصحابة ليست بحجة على فرض عدم معارضتها لما ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم فكيف إذا عارضت ما هو كذلك؟ وأما ما قيل من أمره صلى الله عليه وآله وسلم من باب الاحتياط فلا يخفى مخالفته لما هو الظاهر، ولا سيما بعد أن قرر السؤال أربع مرات كما في بعض الروايات والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول له في جميعها كيف؟ وقد قيل: وفي بعضها دعها عنك كما في حديث الباب. وفي بعضها: لا خير لك فيها. مع أنه لم يثبت في رواية أنه صلى الله عليه وآله وسلم أمره بالطلاق، ولو كان ذلك من باب الاحتياط لامره به. فالحق وجوب العمل بقول المرأة المرضعة حرة كانت أو أما، حصل الظن بقولها أو لم يحصل، لما ثبت في رواية أن السائل قال: وأظنها كاذب، فيكون هذا الحديث الصحيح هادما لتلك القاعدة المبنية على غير أساس، أعني قولهم: إنها لا تقبل شهادة فيها تقرير لفعل الشاهد ومخصصا لعمومات الأدلة كما خصصها دليل كفاية العدلة في عورات النساء عند أكثر المخالفين.
(١٢٦)