وأبي حنيفة وأصحابه وأحد قولي الشافعي، ومن جملة ما احتج به الأولون قوله تعالى: * (ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا) * (البقرة: 231) وأجا ب الآخرون عن الأحاديث المذكورة بما سلف من إعلالها، وأما ما في الصحيحين فهو من قول أبي هريرة كما وقع التصريح به منه حيث قال: إنه من كيسه بكسر الكاف أي من استنباطه من المرفوع، وقد وقع في رواية الأصيلي بفتح الكاف أي من فطنته. وأما قول عمر فليس مما يحتج به. وأجابوا عن الآية بأن ابن عباس وجماعة من التابعين قالوا: نزلت فيمن كان يطلق فإذا كادت العدة تنقضي راجع. ويجاب عن ذلك بأن الأحاديث المذكورة يقوي بعضها بعضا، مع أنه لم يكن فيها قدح يوجب الضعف فضلا عن السقوط، والآية المذكورة وإن كان سببها خاصا كما قيل فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. وأما استدلال الآخرين بقوله تعالى: * (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها) * (الطلاق: 7) قالوا: وإذا أعسر ولم يجد سببا يمكنه به تحصيل النفقة فلا تكليف عليه بدلالة الآية، فيجاب عنه بأنا لم نكلفه النفقة حال إعساره، بل دفعنا الضرر عن امرأته وخلصناها من حباله لتكتسب لنفسها أو يتزوجها رجل آخر، واحتجوا أيضا بما في صحيح مسلم من حديث جابر: أنه دخل أبو بكر وعمر على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فوجداه حوله نساءه واجما ساكتا، وهن يسألنه النفقة فقام كل واحد منهما إلى ابنته أبو بكر إلى عائشة وعمر إلى حفصة فوجآ أعناقهما فاعتزلهن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك شهرا فضربهما لابنتيهما في حضرته صلى الله عليه وآله وسلم لأجل مطالبتهما بالنفقة التي لا يجدها يدل على عدم التفرقة لمجرد الاعسار عنها، قالوا: ولم يزل الصحابة فيهم الموسر والمعسر، ومعسروهم أكثر. ويجاب عن الحديث المذكور بأن زجرهما عن المطالبة بما ليس عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يدل على عدم جواز الفسخ لأجل الاعسار، ولم يرو أنهن طلبنه ولم يجبن إليه، كيف وقد خيرهن صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك فاخترنه، وليس محل النزاع جواز المطالبة للمعسر بما ليس عنده وعدمها، بل محله هل يجوز الفسخ عند التعذر أم لا؟ وقد أجيب عن هذا الحديث بأن أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يعد من النفقة بالكلية، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد استعاذ من الفقر المدقع، ولعل ذلك إنما كان فيما زاد على قوام البدن مما يعتاد الناس
(١٣٤)