الثانية من حديث الباب بلفظ: قضى أن عقل أهل الكتابين الخ مقيدة باليهود والنصارى، والرواية الأولى منه مطلقة فيحمل المطلق على المقيد ويكون المراد بالحديث دية اليهود والنصارى دون المجوس. لأنا نقول: لا نسلم صلاحية الرواية الثانية للتقييد ولا للتخصيص، لأن ذلك من التنصيص على بعض أفراد المطلق أو العام، وما كان كذلك فلا يكون مقيدا لغيره ولا مخصصا له، ويوضح ذلك أن غاية ما في قوله عقل أهل الكتابين أن يكون من عداهم بخلافهم لمفهوم اللقب وهو غير معمول به عند الجمهور وهو الحق، فلا يصلح لتخصيص قوله صلى الله عليه وآله وسلم: عقل الكافر نصف دية المسلم ولا لتقييده على فرض الاطلاق، ولا سيما مخرج اللفظين واحد والراوي واحد، فإن ذلك يفيد أن أحدهما من تصرف الراوي، واللازم الاخذ بما هو مشتمل على زيادة، فيكون المجوسي داخلا، تحت ذلك العموم، وكذلك كل من له ذمة من الكفار، ولا يخرج عنه إلا من لا ذمة له ولا أمان ولا عهد من المسلمين لأنه مباح الدم، ولو فرض عدم دخول المجوسي تحت ذلك اللفظ كان حكمه حكم اليهود والنصارى والجامع الذمة من المسلمين للجميع. ويؤيد ذلك حديث: سنوا بهم سنة أهل الكتاب واحتج القائلون بأن دية الذمي كدية المسلم بعموم قوله تعالى : * (وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله) * (النساء: 92) قالوا: وإطلاق الدية يفيد أنها الدية المعهودة وهي دية المسلم، ويجاب عنه أولا بمنع كون المعهود ههنا هو دية المسلم، لم لا يجوز أن يكون المراد بالدية الدية المتعارفة بين المسلمين لأهل الذمة والمعاهدين؟ وثانيا بأن هذا الاطلاق مقيد بحديث الباب. واستدلوا ثانيا بما أخرجه الترمذي عن ابن عباس وقال: غريب أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ودي العامرين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري وكان لهما عهد من النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يشعر به عمرو بدية المسلمين. وبما أخرجه البيهقي عن الزهري أنها كانت دية اليهودي والنصراني في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثل دية المسلم، وفي زمن أبي بكر وعمر وعثمان، فلما كان معاوية أعطى أهل المقتول النصف وألقى النصف في بيت المال. قال: ثم قضى عمر بن عبد العزيز بالنصف وألغى ما كان جعل معاوية. وبما أخرجه أيضا عن عكرمة عن ابن عباس قال: جعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دية
(٢٢٣)