تعالى: * (ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم) * (البقرة: 191) ويؤيده أيضا أن الجاني في الحرم هاتك لحرمته بخلاف الملتجئ إليه، وأيضا لو ترك الحد والقصاص على من فعل ما يوجبه في الحرم لعظم الفساد في الحرم . وظاهر أحاديث الباب المنع مطلقا من غير فرق بين اللاجئ إلى الحرم والمرتكب لما يوجب حدا أو قصاصا في داخله، وبين قتل النفس أو قطع العضو، والآية التي فيها الاذن بمقاتلة من قاتل عند المسجد الحرام لا تدل إلا على جواز المدافعة لمن قاتل حال المقاتلة، كما يدل على ذلك التقييد بالشرط. وقد اختلف العلماء في كون هذه الآية منسوخة أو محكمة، حتى قال أبو جعفر في كتاب الناسخ والمنسوخ: إنها من أصعب ما في الناسخ والمنسوخ، فمن قال بأنها محكمة مجاهد وطاوس وأنه لا يجوز الابتداء بالقتال في الحرم تمسكا بظاهر الآية وبأحاديث الباب. وقال في جامع البيان: إن هذا قول الأكثر، ومن القائلين بالنسخ قتادة قال: والناسخ لهما قوله تعالى: * (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) * (البقرة: 193) أو قيل آية التوبة كما ذكره النجري قال أبو جعفر وهذا قول أكثر أهل النظر وإن المشركين يقاتلون في الحرم وغيره بالقرآن والسنة قال الله تعالى: * (قاتلوا المشركين حيث وجدتموهم) * (التوبة: 5) وبراءة نزلت بعد البقرة بسنتين. وقال تعالى: * (وقاتلوا المشركين كافة) * (التوبة: 39) وأما السنة فما روي أنه صلى الله عليه وآله وسلم دخل وعلى رأسه المغفر فقتل ابن خطل وقد اختار صاحب تيسير البيان القول الأول وقرره ورد دعوى النسخ. أما بآية براءة فلان قوله تعالى في المائدة: * (لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام) * (المائدة: 2) موافق لآية البقرة، والمائدة نزلت بعد براءة في قول أكثر أهل العلم بالقرآن، ثم إن كلمة حيث تدل على المكان فهي عامة في أفراد الأمكنة، وآية البقرة نص في النهي عن القتال في مكان مخصوص وهو المسجد الحرام، فتكون مخصصة لآية براءة ويكون التقدير: * (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) * إلا أن يكونوا في المسجد الحرام فلا تقتلوهم حتى يقاتلوكم فيه. وأما قوله تعالى: * (قاتلوهم حتى لا تكون فتنة) * (البقرة: 193) فهو مطلق في الأمكنة والأزمنة والأحوال، وآية البقرة مقيدة ببعض الأمكنة فيكون ذلك المطلق مقيدا بها، وإذا أمكن الجمع فلا نسخ، هذا معنى كلامه وهو طويل، ولكن في كون العام المتأخر يخصص بالخاص المتقدم خلاف بين أهل الأصول والراجح التخصيص، وفي كون عموم الاشخاص لا يستلزم عموم الأحوال والأمكنة والأزمنة خلاف أيضا معروف بين أهل الأصول.
(١٩٥)