قال: يأتون بالبينة على من قتله. قالوا: ما لنا بينة بأن يقال إن الرواية الأخرى مشتملة على زيادة وهي طلب البينة أولا ثم اليمين ثانيا. ولا وجه لما زعمه بعضهم من كون طلب البينة وهم في الرواية المذكورة، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد علم أن خيبر حينئذ لم يكن بها أحد من المسلمين. قال الحافظ: إن سلم أنه لم يسكن مع اليهود أحد من المسلمين في خيبر فقد ثبت في نفس القصة أن جماعة من المسلمين خرجوا يمتارون تمرا، فيجوز أن يكون طائفة أخرى خرجوا لمثل ذلك، ثم قال: وقد وجدنا لطلب البينة في هذه القصة شاهدا، وذكر حديث عمرو بن شعيب وحديث رافع بن خديج المتقدمين في الباب الأول. قوله: أن يبطل دمه في رواية للبخاري: أن يطل دمه بضم أوله وفتح الطاء وتشديد اللام أي يهدر. قوله: فوداه بمائة من إبل الصدقة في الرواية الأولى: فعقله أي أعطى ديته. وفي رواية: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعطى عقله والعقل الدية كما تقدم. وقد زعم بعضهم أن قوله من إبل الصدقة غلط من سعيد بن عبيد لتصريح يحيى بن سعيد بقوله: فعقله النبي صلى الله عليه وآله وسلم من عنده، وجمع بعضهم بين الروايتين باحتمال أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم اشتراها من إبل الصدقة بمال دفعه من عنده، أو المراد بقوله من عنده أي من بيت المال المرصد للمصالح، وأطلق عليه صدقة باعتبار الانتفاع به مجانا، وحمله بعضهم على ظاهره. وقد حكى القاضي عياض عن بعض العلماء جواز صرف الزكاة في المصالح العامة، واستدل بهذا الحديث وغيره. قال القاضي عياض: وذهب من قال بالدية إلى تقديم المدعي عليهم في اليمين إلا الشافعي وأحمد فقالا بقول الجمهور يبدأ بالمدعين. وردها إن أبوا على المدعي عليهم، وقال بعكسه أهل الكوفة وكثير من أهل البصرة وبعض أهل المدينة. وقال الأوزاعي: يستحلف من أهل القرية خمسون رجلا خمسين يمينا ما قتلناه ولا علمنا من قتله، فإن حلفوا برئوا، وإن نقصت قسامتهم عن عدد أو نكول حلف المدعون على رجل واحد واستحقوا دمه، فإن نقصت قسامتهم عادت دية. وقال عثمان البتي: يبدأ المدعي عليهم بالايمان فإن حلفوا فلا شئ عليهم. وقال الكوفيون: إذا حلفوا وجبت عليهم الدية. قال في الفتح: واتفقوا كلهم على أنها لا تجب القسامة بمجرد دعوى الأولياء حتى يقترن بها شبهة يغلب على الظن الحكم بها. واختلفوا في تصوير الشبهة على سبعة أوجه ثم ذكرها وذكر الخلاف في كل واحدة منها وهي ما أسلفناه في بيان صور اللوث.
(١٨٩)