رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اشربوا مالا يسفه أحلامكم ولا يذهب أموالكم) وهذا مرسل ثم لو انسند لكان حجة لنا لأنه نهى عن النوع الذي من طبعه ان يسفه الحلم ويذهب المال لا يحتمل غير ذلك أصلا، إذ ليس شئ منه ينفرد بذلك دون سائره * وخبر من طريق علقمة (سألت ابن مسعود عن قول النبي صلى الله عليه وسلم في المسكر؟ قال: الشربة الآخرة)، وهذا لا حجة لهم فيه لأنه من طريق الحجاج بن أرطاة وهو هالك روينا عنه أنه كان لا يصلى مع المسلمين في المسجد فقيل له في ذلك فقال: اكره مزاحمة البقالين لاينبل الانسان حتى يدع الصلاة في الجماعة، وأنه أنكر السلام على المساكين، وقال: على مثل هؤلاء لا يسلم، وهذا جرح ظاهرة، ثم الأظهر فيه أن قوله: الشربة الآخرة من قول ابن مسعود تأويل منه، وهو أيضا فاسد من التأويل لما نبين بعد هذا إن شاء الله تعالى * وخبر مرسل من طريق مجاهد فيه أنه عليه السلام شرب من نبيذ سقاية زمزم فشد وجهه، ثم صب عليه الماء مرة بعد مرة، ثم شرب منه، وهذا لا شئ لأنه عن ابن جريج عمن لم يسمه عن مجاهد فهو مقطوع ومرسل معا، ثم هو مخالف لقولهم كما ذكرنا من أن صب الماء لا ينقله عندهم من تحليل إلى تحريم ولا من تحريم إلى تحليل ولا له عندهم فيه معنى، فان نقله إلى أن لا يسكر فهو قولنا في أنه حلال إذا لم يسكر، هذا كل ما موهوا به عن النبي صلى الله عليه وسلم قد تقصيناه بأجمعه وبينا أنه لا حجة لهم في شئ منه وان أكثر ما أوردوا حجة عليهم لنا * وذكروا عن الصحابة رضي الله عنهم آثارا * منها عن أبي عوانة عن سماك بن حرب عن قرصافة امرأة منهم عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها انها قالت: اشربوا ولا تسكروا، وسماك ضعيف وقرصافة مجهولة، ثم لو صح لما كان فيه إباحة ما أسكر * وروينا من طريق إسرائيل بن يونس عن سماك بن حرب عن قرصافة عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت لها:
اشربي ولا تشربي مسكرا، فسماك عن قرصافة مرة (قال) (1) لنا عليهم ومرة لا لنا ولا لهم * ومن طريق سمية عن عائشة أم المؤمنين قالت: إن خشيت من نبيذك فاكسره بالماء، ولا حجة لهم في هذا لأنه إذا خشي اسكاره كسره بالماء، والثابت عن أم المؤمنين تحريم كل ما أسكر كثيره، وعن سعيد بن ذي حدان (2) أو ابن ذي لعوة ان رجلا شرب من سطيحة لعمر ابن الخطاب فسكر فأتى به عمر فقال: إنما شربت من سطيحتك فقال له عمر: إنما أضربك على السكر، ابن ذي حدان أو ابن ذي لعوة مجهولان * ومن طريق أبي إسحاق السبيعي عن عمرو بن ميمون عن عمر بن الخطاب انه كأن يقول: إنا نشرب من هذا النبيذ شرابا يقطع لحوم الإبل، قال عمرو بن ميمون: وشربت من شرابه فكان كأشد النبيذ، وفي بعد طرقه انا