وأما قولنا: انه لا يجزئ الا بمكة أو منى فان قوما قالوا: (1) يجزئ في كل بلد لان الله تعالى يحد موضع أدائه فهو جائز في كل موضع، ولو أراد الله تعالى قصره على مكان دون مكان لبينه كما بين ذلك في جزاء الصيد بقوله تعالى: (هديا بالغ الكعبة) ولم يقل:
في هدى المتعة ولا في هدى المحصر (وما ان ربك نسيا)، (فان قيل): نقيس الهدى على الهدى في ذلك قلنا: القياس كله باطل ثم لو كان حقا لكان هذا منه عين الباطل لأنه ان صححتم قياسكم هدى المتعة على هدى جزاء الصيد لزمكم أن تقيسوه عليه في تعويض الاطعام من الهدى والصيام في هدى المتعة وأنتم لا تقولون: هذا، فظهر فساد قياسكم وتناقضه * قال أبو محمد لكن الحجة في ذلك ان الله تعالى قال: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب لكم فيها منافع إلى أجل مسمى * ثم محلها إلى البيت العتيق) وقال تعالى:
(والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير) فجاء النص بان شعائر الله تعالى محلها إلى البيت العتيق، وان البدن من شعائر الله تعالى، فصح يقينا ان محلها إلى البيت العتيق، ولا خلاف بين أحد في أن حكم الهدى كله كحكم البدن * روينا من طريق أبى داود نا أحمد بن حنبل نا يحيى بن سعيد القطان نا جعفر بن محمد ابن علي عن أبيه ان جابر بن عبد الله حدثه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال: قد نحرت هنا ومنى كلها منحر) (2) * نا أحمد بن عمر بن أنس نا عبيد الله بن الحسين بن عقال نا إبراهيم بن محمد الدينوري نا محمد بن أحمد بن الجهم نا معاذ بن المثنى نا مسدد نا حفص ابن غياث عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عند المنحر (3):
هذا المنحر وفجاج مكة كلها منحر) (4)، وقال عليه السلام في منى (هذا المنحر وفجاج منى كلها منحر) فصح أنه حيثما نحرت البدن والاهداء من فجاج مكة ومنى - وهو الحرم كله - فقد أصاب الناحر، وأنه لا يجوز نحر البدن والهدى في غير الحرم الا ما خصه النص من هدى المحصر. وهدى التطوع إذا عطب قبل بلوغه مكة (5) * وروينا عن طاوس، وعطاء قالا: كل ما كان من هدى فهو بمكة والصيام والاطعام حيث شئت * وعن مجاهد انحر حيث شئت * وأما قولنا: ومن كان أهله ساكنين في الحرم فلا يلزمه في تمتعه هدى ولا صوم وهو محسن في تمتعه * وقال قوم: هو مسئ في تمتعه * قال أبو محمد: (6) قال الله تعالى: (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى فمن لم