قال أبو محمد: وهذا لا يحل (1) الاحتجاج به لأنه قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أوردنا أنه أمر أن يجتمع النفر منهم في الهدى (2) وأنه قال عليه السلام: (البقرة عن سبعة والجزور عن سبعة) فعم عليه السلام ولم يخص من اتفقت اغراضه ممن اختلفت، وإنما أمرنا في الهدى بالتذكية وبالنية عما يقصده المرء، وقد قال عليه السلام (ولكل امرئ ما نوى) فحصلت البدنة. والبقرة مذكاة إذ ذكيت كما أمر الله تعالى بأمر مالكها وسمى الله تعالى عليها، ثم لكل واحد منهم في حصته منها نية. قال عز وجل: (ولا تكسب كل نفس الا عليها) فأحكام جملتها أنها مذكاة، وحكم كل جزء منها ما نواه فيه مالكه، ولا فرق حينئذ بين اجزاء سبعة من البقرة أو البعير وبين سبع شياة (3)، ولا يختلفون في أنهم وإن كانت أغراضهم متفقة وكان سببهم كلهم واحد فان لكل واحد حكمه وانه قد يمكن أن يقبل الله تعالى من بعضهم ولا يقبل من بعضهم، ولا يقدح ذلك في حصة المتقبل منه، وبالله تعالى التوفيق * وأما قولنا: لا يجزئه أن يهديه ألا بعد أن يحرم بالحج وان له أن يذبحه أو ينحره متى شاء بعد ذلك ولا يجزئه ان يهديه وينحره الا بمنى أو بمكة فلان الله تعالى قال:
(فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى) فإنما أوجبه تعالى على من تمتع بالعمرة إلى الحج لاعلى من لم يتمتع بالعمرة إلى الحج (بلا شك) (4)، فهو ما لم يحرم بالحج فلم يتمتع بعد بالعمرة إلى الحج وإذ لم يتمتع بعد بالعمرة إلى الحج فالهدى غير واجب عليه، ولا يجزئ غير واجب عن واجب الا بنص وارد في ذلك، ولا خلاف بين أحد في أنه ان بدا له فلم يحج من عامه ذلك فإنه لاهدى عليه فصح أنه ليس (عليه) (5) هدى بعد، وإذا لم يكن عليه فلا يجزئه ما ليس عليه عما يكون عليه بعد ذلك، وهو قول الشافعي. وأبي سليمان * وأما ذبحه ونحره بعد ذلك فلان هذا الهدى قد بين الله تعالى لنا أول وقت وجوبه ولم يحد آخر وقت وجوبه بحد، وما كان هكذا فهو دين باق أبدا حتى يؤدى، والامر به ثابت حتى يؤدى، ومن خصه بوقت محدود فقد قال على الله تعالى: ما لم يقله عز وجل، وهذا عظيم جدا * وقال أبو حنيفة. ومالك: لا يجزئ هديه قبل النحر وهذا قول لا دليل على صحته بل هو دعوى بلا برهان، وما كان هكذا فهو ساقط. والعجب ن تجويز أبي حنيفة تقديم الزكاة وإجازة أصحابه لمن نذر صيام يوم الخميس فصام يوم الأربعاء قبله أجزأه ثم لا يجيزون هدى المتعة قبل يوم النحر *