وبما ذكرنا يظهر أن قول النبي (صلى الله عليه وآله) في الخبر المتواتر " من كنت مولاه فعلي مولاه " سواء كان بلفظ المولى أو الولي فمراده (صلى الله عليه وآله) أن يثبت لعلي مثل ما كان لنفسه من ولاية التصرف والأولوية المذكورة في الآية الشريفة، ولذا صدره بقوله " أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم " ثلاث مرات. ولو كان بصدد بيان المحبة لم يحتج إلى بيان أولوية نفسه، ولا كان بيانها أمرا مهما يوجب إيقاف مئة وعشرين ألفا في المفازة في وسط الهاجرة الشديدة. ويشهد لذلك أيضا قوله (صلى الله عليه وآله) في خبر عمران بن حصين " من بعدي " (1).
وتفصيل هذه الأبحاث موكول إلى الكتب الكلامية، فراجع.
الرابع: في تقسيم الولاية:
الولاية - بمعنى التصرف والاستيلاء على الشخص أو الأمر - أما تكوينية، وإما تشريعية. والتشريعية إما قهرية كولاية الأب على ابنه الصغير قهرا عليه، وإما اختيارية كولاية حاصلة من اختيار الناس وتوليتهم من له أهلية الولاية بالبيعة له.
ولا يخفى ثبوت الولاية التكوينية والتشريعية بمرتبتهما الكاملة لله - تعالى -.
ويوجد لرسول الله (صلى الله عليه وآله) بل لجميع الأنبياء أو أكثرهم، وكذا الأئمة المعصومين - سلام الله عليهم أجمعين - بل لبعض الأولياء الكرام أيضا مرتبة من الولاية التكوينية، بحسب ارتقاء وجودهم وتكاملهم في العلم والقدرة النفسانية والإرادة والمشيئة، والارتباط بالله - تعالى - وعناية الله بهم. إذ جميع معجزات الأنبياء والأئمة وكرامات الأولياء نحو تصرف منهم في التكوين، وإن كانت مشيئتهم في طول مشيئة الله وبإذنه.
هذا مضافا إلى أن النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة الطاهرين (عليهم السلام) خلاصة العالم وثمرته.