كافة، وجعله رحمة للعالمين وخاتما للنبيين، وقد صرف عمره الشريف وجميع طاقاته وطاقات أهله وأصحابه في بث الإسلام ونشره، وكان يعتني ويهتم في دعوته وإرشاده حتى بالمسائل الجزئية الفرعية كمال الاهتمام، وكان ملتفتا إلى أن الإسلام لما يستوعب الحجاز بعد، فضلا عن سائر البلاد، وأن السلطات الكافرة في إيران والروم وغيرها تقف أمام نشر الإسلام، ولا يتيسر دفعها إلا بالقوة والقيادة الجازمة، وكان عالما بأخلاق العرب وتعصباتهم، وملتفتا إلى وجود منافقين يعملون لانتهاز الفرص، وأن حب الدنيا والمناصب رأس كل الخطايا.
فهل يجوز العقل مع ذلك كله أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أهمل بالكلية أمر القيادة من بعده، ولم يعين للمسلمين تكليفهم في ذلك؟
كيف، ولو أراد قيم قرية صغيرة أن يسافر سفرا موقتا فهو يعين مرجعا ويوصي بالرجوع إليه في الأمور، فكيف ينسب إليه (صلى الله عليه وآله) مع كونه عقل الكل وخاتم الرسل، أنه ترك الاستخلاف عن عمد أو غفلة؟ وهل يمكن أن يقال: إن أبا بكر حيث استخلف كان أبصر بمصالح المسلمين، وأرأف بهم وأحرص عليهم من رسول الله (صلى الله عليه وآله). وهل لم تكن أهمية حفظ الإسلام وبسطه وتنفيذ مقرراته إلى يوم القيامة، وحفظ نظام المسلمين في نظر النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) بقدر أهمية الوصايا الشخصية المتعلقة بالأموال الجزئية؟
وقد ورد عنه (صلى الله عليه وآله) أنه قال: " من مات بغير وصية مات ميتة جاهلية " (1) وقال: " ما حق أمري مسلم أن يبيت ليلتين وله شيء يوصي فيه إلا ووصيته مكتوبة عنده " (2).
وفي الدر المنثور عن أبي سعيد الخدري، قال: نزلت هذه الآية (يا أيها النبي