كالقوة الدراكة الحسية أو الخيالية إذا انفعلت عن رطوبة ذلك الجسم الرطب لم يقبل الأثر الذي قبله الجسم الثاني ولم يصر بسببه رطبا بل يقبل شيئا آخر من ماهية الرطوبة لها طور خاص في ذلك كما يقبل القوة الناطقة متى نالت الرطوبة أو حضرتها في ذاتها شيئا آخر من ماهية الرطوبة وطبيعتها من حيث هي ولها ظهور آخر عقلي فيه بنحو وجود عقلي مع هوية عقلية.
فانظر حكم تفاوت النشئات في ماهية واحدة لصفة واحدة كيف فعلت وأثرت في موضع الجسم شيئا وفي قوة أخرى شيئا آخر وفي جوهر آخر شيئا آخر وكل من الثلاثة حكاية للآخرين. لأن الماهية واحدة والوجودات متخالفة.
وهذا القدر يكفي المستبصر لأن يؤمن بجميع ما وعده الله ورسوله أو توعدا عليه في لسان الشرع من الصور الأخروية المرتبة على الاعتقادات الحقة أو الباطلة والأخلاق الحسنة والقبيحة المستتبعة للذات والآلام إن لم يكن من أهل المكاشفة والمشاهدة.
وأما معرفة التفاصيل في كل صفة وعمل وعد فيه أو توعد عليه الشرع الأنور بحكومة الأخروية فيتوقف على كشف تام ومعرفة كاملة واتصال قوى بعالم الغيب وتجرد بالغ عن علائق هذا العالم.
فكل من له تحدس في العلوم يجب عليه أن يتأمل في الصفات النفسانية والأخلاق الباطنية وكيفية منشئيتها للآثار والأفعال الظاهرة منها ليجعل ذريعة لأن يفهم كيفية استتباع الأخلاق المكتسبة في الدنيا من تكرر الأفاعيل للآثار المخصوصة في الآخرة تحقيقا لقوله: الدنيا مزرعة الآخرة.
فكما أن شدة الغضب في رجل توجب ثوران دمه واحمرار وجهه وحرارة جسده واحتراق مواده على أن الغضب صفة نفسانية موجودة في عالم الروح الإنساني وملكوته والحركة والحمرة والحرارة والاحتراق من صفات الأجسام وقد صارت هذه الجهات والعوارض الجسمانية نتائج لتلك الصفة النفسانية في هذا العالم فلا عجب من أن يكون سورة هذه الصفة المذمومة مما يلزمها في النشأة الأخرى نار جهنم التي تطلع على الأفئدة فاحترقت صاحبها كما يلزم هاهنا عند شدة ظهورها وقوة تأثيرها إذا لم يكن صارف عقلي أو زاجر عرفي يلزمها من ضربان العروق واضطراب الأعضاء وقبح المنظر.
وربما يؤدي إلى الضرب