في طلب القرب إلى الله تعالى سواء ذلك مشعورا به له أم لا وهذا المعنى مشاهد للعرفاء في أكثر الأشياء وخصوصا في الإنسان لكونه أشرف الأنواع الواقعة تحت الكون والفساد.
فإن كل من له أدنى تحدس يجد أنه من لدن حدوثه وحداثته إلى كهولته وشيخوخته له انتقالات فطرية وتغيرات طبيعية يتوجه بها إلى ما هو الوجهة الكبرى مع قطع النظر عن تحصيله واكتساب الكمالات والسعادات عقلا وشرعا وعن أضدادها من النقائص والشقاوات أيضا كذلك.
وتلك الانتقالات والتغيرات هي بحسب الباطن وباطن الإنسان هو نفسه الناطقة التي لا قوام لها في ذاتها في أول تكونها بغير البدن الذي هو بمنزلة مركب لوجودها لغاية ضعفها وقلة قوامها في أول التكون وأول ما اقتضت النفس وتوجهت إليه هو تكميل نشأتها الحسية وتعمير مملكتها ومعسكر جنودها التي هي البدن وقواه وجميعها تكون من أهل هذا العالم.
ثم إذا كملت هذه النشأة لها وعمرت هذه المملكة وقويت جنودها أخذت في تحصيل نشأة ثانية لها وتوجهت إلى عالم آخر ومنزل أقرب إلى بارئها ومبدئها وهكذا يتدرج في تكميل ذاتها وتعمير باطنها. فكلما ازدادت في تقوية جوهرها المعنوي نقصت في صورتها الظاهرية وضعفت قواها الحسية وانكسرت جنودها التي هي أشخاص عالم الحسي لعدم توجهها الطبيعي إلى جنسيتها وقلة رغبتها الجبلية إلى تقويتها لكونها في السفر والسلوك نحو عالمها الباطني ونشأتها الروحاني فإذا انتهت في سيرها إلى عتبته باب من أبواب الآخرة التي يكون عند الاحتضار وهي نهاية السفر إلى الآخرة وبداية السفر فيها عرض لها الموت في هذه الدار وهو عبارة عن الولادة في الدار الآخرة.
وقد مر أن نفس الإنسان ناقصة في أول تكونها كالجنين فتربى وتتكمل في هذه النشأة كما يتربى الجنين في بطن أمه.
فثبت بهذه المقدمات أن الموت طبيعي للنفس وكل طبيعي لشيء خير وتمام فكل خير وتمام فهو حق له فالموت حق للنفس الناطقة.
فأما الهلاك والفساد الذي يطرأ البدن فإنما له بالعرض لا بالذات فهو من باب الشرور الواقعة بالعرض لأجل رعاية جانب النفس لكونها أشرف من البدن.
فالعدالة