الحواس لأنها لا يزال مشغولة بالتفكر فيما يورده الحواس عليها.
فإذا وجدت فرصة الفراغ وارتفعت عنها الموانع استعدت الاتصال بالجواهر الروحانية الشريفة العقلية التي فيها نقوش جميع الموجودات كلها المعبرة عنها في الشرع باللوح المحفوظ أو الجوهر النفسية والقوى الانطباعية من البرازخ العلوية التي فيها صور الشخصيات المادية والجزئيات الجسمانية.
فإذا اتصلت بتلك الجواهر قبلت ما فيها أعني نقش ما في تلك الجواهر من صورة الأشياء لا سيما ما ناسب أغراض النفس ويكون مهما لها.
وقد مر أن انطباع الصور في النفس عن الجواهر العالية كانطباع الصورة في مرآة من مرآة أخرى يقابلها عند حصول الأسباب وارتفاع الحجاب بينهما.
والحجاب هاهنا اشتغال النفس بما يورده الحواس ولارتفاع هذا الحجاب أسباب كثيرة مثل صفاء النفس بحسب أصل فطرتها ومثل انزعاج النفس وانزجارها عن هذا العالم بسبب ما يكدرها وينقص عيشها الدنياوي من المولمات والمنفرات فيتوجه إلى عالمها هربا من هذه الأمور الموحشة فيرتفع الحجاب بينها وعالمها ومثل الرياضات العلمية والعملية التي يوجب المكاشفات الصورية والمعنوية ومثل الموت الإرادي الذي يكون للأولياء ومثل الموت الطبيعي الذي يوجب كشف الغطاء للجميع سواء كانوا سعداء أو أشقياء ومثل النوم الذي هو أخ الموت في كونها عبارة عن ترك النفس استعمال الحواس في الجملة.
فحينئذ إذا ارتفع الحجاب بالنوم قليلا يظهر في مرآة النفس شيئا من النقوش والصور التي في تلك المرائي مما يناسبها ويحاذيها فإن كانت تلك الصورة جزئية وبقيت في النفس بحفظ الحافظة إياها على وجهها ولم يتصرف فيه القوة المتخيلة الحاكية للأشياء بتمثلها فيصدق هذه الرؤيا ولا يحتاج إلى تعبير.
وإن كانت المتخيلة غالبة أو إدراك النفس للصور ضعيفا صارت المتخيلة بطبعها إلى تبديل ما رأته النفس بمثال كتبديل العلم باللبن وتبديل العدو بالحية وتبديل الملك بالبحر أو الجبل. وتحقيقه أن لكل معنى عقلي من عالم الإبداع صورة طبيعية في عالم الكون إذ العوالم متطابقة.
فالعلم لما كان مما يتقوى به النفس وهو جوهر روحاني والصور العلمية للإنسان إنما يحصل بعد حذف الزوائد والاختلاف عما يدركه الحس من