في نفسه ملكة العداوة ويرسخ فيها خلق الغضب وشهوة الانتقام طول الأيام حتى أنه لغاية جهله يكون أكثر شغله وأهم مآربه وأرجح حسناته عنده هو عداوة المخالفين لدينه وأفضل قرباته خصومته إياهم حتى لو قدر على قتلهم وأمكنه قطع أرزاقهم فعل ذلك من شدة غيظه وإذا لم يقدر على ذلك بقي طول عمره مغتاظا مغتما متألمة نفسه معذبا قلبه.
ومع كونه على هذا الحال من خدمته لقوة غضبه وطاعته شهوة نفسه يمن على الله ورسوله منا عظيما بحسب ضميره وإن لم يتنطق به لسانه من باب كسر النفس وعدم رؤية العمل كما هو دأب الصالحين عملا بشعارهم على ظنه. ولكن يتوقع في ذلك بحسب الباطن أجرا عظيما.
وكثيرا ما ينظر نظر الحقارة على من ليس كذلك من أهل مذهبه ويعده من ضعفاء الإيمان والمستضعفين.
وذلك لأنه ترك العربدة والخصومة مع المخالفين له في الدين وربما تحير في خلق الله تعالى الشياطين والكفرة والعصاة وتربيته إياهم وتوسعة رزقهم وتمكينهم فيما يفعلون وإمهاله لهم مدة في كفرهم وعصيانهم.
وربما عاتب ربه في الضمير وخاصمه في السر لو لم يكن خائفا من ناره لم خلقهم ورزقهم ورجاهم ومكنهم وسلطهم على الأولياء ولما ذا وكيف وما شاكل ذلك من هذه الوساوس والظنون المولمة للنفوس المعذبة للقلوب وأكثر هذه الأوهام والوساوس يعرض للجهال والمتشككين والنفوس السقيمة والقلوب المريضة بأسقام الجهالات والاعوجاجات عن المسلك القويم وأمراض الأخلاق الذميمة والانحرافات من الصراط المستقيم.
وإنما ذكرنا هذا ليعلم أن بإزاء هذه الآراء واعتقادات الردية المولمة لنفوس معتقديها المتعذبة لقلوب أصحابها آراء واعتقادات هي أغذية روحانية ملذذة للأرواح والنفوس ومبشرة للقلوب وهي آراء أولياء الله تعالى واعتقاد الخلص من عباده الصالحين ومذهب الربانيين الذين أسلموا لربهم ولم يشركوا معه لا سرا ولا علانية.
وهم الذين صفت نفوسهم من دون شهوات الجسمانية وطهرت أخلاقهم من العادات الردية ونقيت عقولهم من الجهالات والآراء الفاسدة وصانوا جوارحهم من لأعمال السيئة وألسنتهم عن الفحشاء والمنكر وذكر مساوي الناس ولم يعترضوا على الله في شيء