ثم على سبيل التنزل عن هذا بقي أن ينظر إلى أن الدار الآخرة مع هذا الدار هل هما منتظمان في سلك واحد والمجموع عالم واحد وحينئذ يكون طلب المكان لهما صحيحا أو كل منهما عالم بتمامها مباين الجوهر والذات للأخرى غير منسلك معها في سلك واحد لا يجمعها دار واحدة لاستقلال كل منهما وتمامه فحينئذ طلب المكان له والنسبة إلى ما هو مباين الجوهر عنه غير صحيح.
وأنت تعلم أن الحق هو الثاني أولا ترى أن أهل هذا العالم متفقون على قولهم هذا العالم وذلك العالم جسما ورثه الناس من رؤساء النوع من أهل النبوة والحكمة والعصمة ولو كان المجموع عالما واحدا كان هذا القول باطلا. ولا يصح أن يقال هذا الإطلاق من قبيل قولهم عالم العناصر وعالم الأفلاك وعالم الحيوان وعالم الإنسان. لأن هذه أقوال مجازية على سبيل التشبيه وأما إطلاقه عليهما فليس من باب التشبيه بعالم آخر فإن الدنيا والآخرة لو لم يكونا عالمين تامين فلا يكون في الوجود عالم تام لأن المجموع ليس منتظما في سلك واحد إلا بأن يكون أحدهما باطن للآخر والآخر ظاهره وهذا كلام آخر فيه غموض فإذا لم يكونا مع مباينة كل منهما الآخر في الوجود مما يشتملهما عالم آخر فلا محالة كل منهما عالم تام كما أطلق القول عليه في ألسنة الشريعة إن لله سبحانه عالمين الدنيا والآخرة.
ومما يوضح القول بأن الآخرة ليست من جنس هذا العالم إن الآخرة نشأة باقية يتكلم فيه الإنسان مع الله وينظر إليه وهذه نشأة داثرة ذاتها بائدة أهلها هالكة ذووها لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم واختلاف اللوازم يدل على اختلاف الملزومات.
وأما مكالمة الأنبياء مع الله مخاطبة سيد الرسل معه تعالى ليلة المعراج فهي من ظهور سلطان الآخرة على قلوبهم.
ومما يدل على ذلك قوله تعالى: و ننشئكم في ما لا تعلمون فإنه صريح في أن النشأة الآخرة غير نشأة الدنياوية ولهذا