العقلية ودركات جهنم بقيودها وسلاسلها وحميمها وزقومها عبارة عن رذائل الأخلاق وذمائم الصفات وخصوصا الجهل المركب والعناد والتعصب في الآراء والمذاهب الذي يوجب العذاب الدائم على وجه أشد من إحراق كل نار وتجميد كل زمهرير.
فهم وإن كانوا مصيبين في إثبات هاتين المرتبتين للنفوس إلا أنهم أخطئوا في إنكار النشأة الأخرى المتوسطة بين العالم العقول وعالم الصور الدنياوية وهي المنقسمة إلى جنة السعداء وجحيم الأشقياء.
ثم إن أكثر الإسلاميين يرون ويعتقدون بأن الإنسان ليس هو شيئا سوى هذا البنية المحسوسة أعني الجسد المركب من اللحم والدم والعظم والعروق وما شاكلتها التي كلها أجسام وما يحلها من الأعراض على هيئة مخصوصة هي الصور الإنسانية عندهم وتلك مادتها.
وهم لا يتحققون أمر البعث ولا يتصورون حقيقة القيامة ضميرا واعتقادا وإن أقروا بها لسانا ولفظا.
فالقيامة عندهم ليست إلا إعادة هذه الأجساد المعدومة برمتها والأعراض بعينها على هذه الحالة التي هي عليها الآن.
وأكثر أبناء زماننا وإن قالوا بتجرد النفس الإنسانية بحسب التقليد والسماع إلا أنهم في غفلة من ذلك بحسب المعرفة والتصديق فأين هم من معرفة النفس وإنيتها وماهيتها وكيفية ارتقائها في الدرجات وانحطاطها في الدركات واستعدادها بحسب الجوهر والذات إما لأن تتردى إلى الجحيم أو لأن تترقى إلى النعيم. فالناس بحسب ضمائرهم يجحدون تجردها وانفصالها عن الأجرام ذلك قولهم بأفواههم وتأبى قلوبهم فأكثرهم لا يعقلون لو لم يسمعوا من بعض كبرائهم والجاهل بحقيقة النفس وبيان ماهيتها وكيفية تعلقها بالبدن واحتياجها إلى القوى المحركة والمدركة البدنيين وقتا ما وكيفية تجردها بذاتها واستقلالها بوجودها وقتا آخر وسائر أحوالها معدود من العوام الناقصين عند أهل العلم والكمال وإن كان أحكم بعض العلوم الجزئية. وبالحقيقة الجاهل بحقيقة النفس جاهل بحقيقة المعاد الإنساني وكلا المعادين الجسماني