أشخاص الأنواع لا توجد جميعها دفعة واحدة في آن واحد بل شيئا فشيئا بعضها قبلا وبعضها بعدا. وأيضا أكثر الأنواع الكمالية الحيوانية توجد على سبيل التوالد دون التولد بخلاف الصور الأخروية وأجساد أهل الآخرة فإن وجود أشخاصها إنما يكون دفعة واحدة بإذن الله من غير مهلة ونفخ أرواحهم في أجسادهم المكونة من تلك الأرواح بواسطة بعض ملائكته نفخة واحدة.
ومن تلك الوجوه أنه تعالى يقول للضالين المكذبين الذين ينكرون البعث ويستبعدونه أنكم لا تخلقون المني الذي حسبتم أن الإنسان يخلق منه حتى لو لم يخلق مرة أخرى لم يخلق الإنسان ثانيا بل الله تعالى يخلق الإنسان ومادته بقدرته وإرادته ولعموم قدرته وشمول علمه وإرادته قادر على أن يخلق الإنسان الأول مرة أخرى وكما خلقه أولا من المني يخلقه ثانيا منه أو من أمر آخر على مقتضى علمه وإرادته فلا وجه لاستبعادكم واستنكاركم. ويؤيد الأول ما ورد في الأخبار من إمطار السماء بماء كالمني عند البعث ووجه استفادة هذين الوجهين من الآية لا يخفى على من له دراية.
وثانيهما قوله: أفرأيتم ما تحرثون ءأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون وجه الاستدلال على ما قال بعض المفسرين أن الحب. وأقسامه من بطون مشقوق وغير مشوق كالأرز والشعير مدور ومثلث ومربع وغير ذلك من أشكاله وإذا وقع في الأرض البذر واستولى عليه الماء والتراب فبالنظر العقلي يقتضي أن ينقص ويفسد لأن أحدهما يكفي لحصول العفونة فهما جميعا أولى لفعل الإفساد. ثم إنه لا يفسد بل يبقى محفوظا. ثم إذا ازداد في الرطوبة تنفلق الحبة قطعتين فيخرج منها فرقتان فرقة من رأسها صاعدة وأخرى يتشبث فيها في الأرض وكذا النوى بما فيه من الصلابة العظيمة تنفلق بإذن الله وتصير مجموعه على نصفين يخرج من أحدهما