أولا قوته العقلية من القوة إلى الفعل لينتقش بالوجود كله على ترتيبه ونقشه وهيئته ورقشه.
فيدرك الأول وما يتلوه من الملائكة المقربين وما بعده من الموجودات.
وربما يحس بأدنى لذة من الاطلاع عليها في هذه النشأة لمكان اشتغاله بالبدن. فإذا فارق البدن بالموت أو حصل له ما حصل للمتجردين من جلباب البشرية يعني ملكة خلع البدن حيثما شاء يلحق بالمللأ الأعلى ويصير رفيق الملائكة. وهناك لجة الوصول. وهذا معنى السعادة في حق الإنسان.
ويتلو هذه النفوس الإنسانية نفوس حيوانية سواء كانت من نوع الإنسان أو أنواع أخرى حيوانية طالبة لكمالات وهمية وخيرات خيالية. فهي صنفان: سعيدة وشقية فالسعيدة نفوس بشرية تتصور الحق الأول تصورا مثاليا ويتمثل لها الوسائط العقلية لفيضه وجوده بالأمثلة المأخوذة عن المبادئ الجسمانية والأفعال الباطنية المقربة إليه والنيات الصالحة المزلفة لديه بنظائرها من الأفعال الصادرة من خدام السلاطين وعبيد الملوك ويتخيل الغايات الحقيقية كالغايات الحسية. فكأنهم يعبدون حكاية الحق الأول لا ذاته تعالى. فلهذا صارت عباداتهم وحركاتهم أمثلة لعبادات أهل الحق وأشباحا لنسك العارفين وسلوكهم سبيل الحق وخضوعهم وخشوعهم بالقلب الصافي والنية الخالصة والمودة الخفية.
والشقية نفوس منغمرة في عالم الطبيعة منتكسة رؤسها لا نكبابها إلى الشهوات واللذات الحسية والتقلبات الحيوانية فهي التي فكفرت بأنعم الله وصرفت قواها الشهوية والغضبية في غير ما خلقت لأجله وضلت ضلالا بعيدا وخسرت خسرانا مبينا.
وهي مع هذه الشقاوة الفاحشة غير خالية عن شوق وعشق إلى طلب الخير الأقصى والحق الأعلى بحسب غريزتها وطبيعتها التي أشير إليها في الكلام الإلهي بقوله تعالى: فطرت الله التي فطر الناس عليها. وإن غيرت عما هي مفطورة عليه