من أحب ذاتا متصفة بالعظمة والكبرياء والقدرة والجود واللطف والكرم فلا بد وأن يحب ما ينشأ من ذاته بذاته من الآثار واللوازم الذاتية المنبعثة عنه بلا مدخلية الغير. فإن كان لآثار الشيء ولوازمه حيثية أخرى غير كونها آثارا ولوازم لذلك الشيء يمكن أن يتعلق بها محبة استقلالية من جهة أخرى غير جهة كونها تابعة.
وأما إذا لم يكن لتوابع الشيء حيثية سوى أنها توابع له كالحقائق الممكنات بالقياس إلى الحق الأول على طبق ما حققناه في مظانه فلا يمكن تعلق الابتهاج بها إلا من جهة الابتهاج به تعالى. بل الابتهاج بلوازم الحق الأول وآثاره هو بعينه الابتهاج بذاته تعالى.
ومن أحب عالما أحب تصنيفه من حيث هو تصنيفه. والعالم بجميع حقائقه وهيئاته وصوره تصنيف الله تعالى بلا حيثية أخرى كما أشرنا إليه. ولما ثبت من قبل محبة الله تعالى لذاته وهي عين علمه بذاته المستجمعة لأوصاف الكمال ونعوت الجمال فقد ثبت محبته للوازمه وآثاره التي هي موجودات العالم بأسرها.
ولما بين أن وجود الممكن في نفسه وكونه أثرا من آثار قدرة الله تعالى هما أمر واحد بلا اختلاف فإن وجودات المخلوقات هي بعينها روابط فيض الحق وتجلياته فوجود كل ممكن ليس إلا جهة من جهات كمال الحق ووجوده وابتهاجه بذاته منطو فيه ابتهاجه بجميع أفعاله وآثاره. كما أن علمه بها منطو في علمه بذاته.
ثم إن طبقات وجود الخلائق متفاوتة قربا وبعدا من المبدإ الأعلى شرفا وخسة كمالا ونقصا. فأحق الخلق بمحبة الحق هو أشرف الممكنات وأقربها إليه تعالى في سلسلتي البدء والرجوع والآخرة والأولى.
ثم يتلوه في المحبة ما يتلو في النسبة ويقربه في درجة الوجود وهكذا متدرجا إلى الأحب فالأحب حتى ينتهي إلى أخس الموجودات وأنجس العاصيات وهو إبليس من الأحياء والهيولى الجسمية من الأموات. وهما من أنقص الأبدان والأشباح وأعصى النفوس والأرواح.
ولو تيسر للزمخشري وغيره من المتكلمين المنكرين لعناية الله تعالى ما تيسر للعارفين الواجدين لكرامة الله تعالى على خلقه وفرط لطفه ورحمته عليهم المطلعين على المحبة الخالية عن القصور والنقص التي هي بالحقيقة ترجع إلى ابتهاجه بوجود ذاته