لا نسبة لوجودها إلى أجسام العالم فضلا إلى الجواهر العقلية والملائكة الروحانية. فقياس لذة الأول تعالى إلى لذتنا كقياس كماله تعالى إلى كمالنا إذا فرضت لنا مثل هذه الحالة.
فقد قال بعض العلماء: لو لم يكن له تعالى من اللذة بإدراك جمال ذاته إلا ما لنا من اللذة بعرفانه مهما التفتنا إلى جماله وقطعنا النظر عما دونه واستشعرنا عظمته وجلاله وجماله وحصول الكل منه على أحسن نظام وانقيادها له على سبيل التسخير الجبلي والطاعة الطباعية ودوام ذلك أزلا وأبدا من غير إمكان تغير لكان تلك اللذة لا يقاس بها لذة.
وكيف وإدراكه لذاته لا يناسب إدراكنا له لأنا لا ندرك من ذاته وصفاته إلا أمورا جمليا يسيرة.
واعلم أن العشق أيضا معناه الابتهاج بتصور حضرة ذات ما.
وأما الشوق فهو استدعاء إكمال هذا التصور والحركة إلى تتميم هذا الابتهاج فإن مراتب حضور الصورة متفاوتة إذ التمثل الخيالي مرتبة ضعيفة من الحضور والتمثل الحسي أقوى منه والشهود الإشراقي أتم الإدراكات. وكل مشتاق إلى مرغوب فإنه قد نال شيئا وفاته شيء وفي هذا سر عظيم لأرباب الذوق والعرفان.
والإشارة إلى لمعة منه أن كل مشتاق من حيث كونه مشتاقا فهو من جملة المشتاق إليه.
فإن الظمآن يتصور أولا الري فيحصل له ذلك حصولا ضعيفا هو يوجب طلبه على أتم وجه. فالريان يشتاق الريان ويطلبه فكل ذي طلب لا يطلب إلا ما هو تمام حقيقته وكمال ذاته. فافهم ذلك إن كنت من أهله.
وبالجملة الشوق يصحبه قصور وأما العشق فقد يتقدس ويتعالى عن الشوائب.
فالأول عاشق لذاته معشوق لذاته عشق أو لم يعشق. لكنه معشوق لذاته من ذاته ومن غيره وهو جميع الموجودات المفتقرة إليه. إذ ما من موجود إلا وله عشق غريزي وشوق طبيعي إلى الخير المطلق والنور المحض بلا شوب شرية وظلمة ونقص وآفة.