معدته وآلات هضمه آفة تمنعه عن الإحساس بشهوة الطعام.
وقد يكون عدم إدراك اللذة لضعف القوة المدركة كالبصر الضعيف قد يتأذى بأدنى ضوء وإن كان ذلك موافقا لذيذا بالإضافة إلى الطبع السليم.
فيما ذكر يندفع سؤال من يقول: لو كانت العقليات ألذ من الحسيات لكان لذتنا بالعلوم وألمنا بالجهل يزيد على لذتنا بالحسيات وألمنا بفقدها.
لأنا نقول: سبب ذلك خروج النفس عن مقتضى الطبع الأصلي بالعادات الردية والآفات العارضة ووقوع الألف مع المحسوسات والإخلاد إلى الأرض واشتغال النفس بمقتضى الشهوات ومعاداة الخصوم فإن هذه العوارض نازلة في النفس بمنزلة المرض والخدر في العضو وقد يصيب العضو الخدر نار محرقة تحرقه وهو لا يحس به فإذا زال الخدر أحس بها.
وعوارض البدن أوجب مثل هذا الخدر فإذا فارقت النفس البدن بالموت أدركت ما هو حاصل للنفس من ألم الجهل إن كان جاهلا ردي الخلق ولذة العلم إن كان عالما زكي الطبع حسن الخلق.
فإذا تمهدت هذه القوانين يحصل منها أن الواجب تعالى أجل مبتهج بذاته لأنه مدرك لذاته على ما هو عليه من الجمال والبهاء وهو مبدأ كل جمال وزينة وبهاء ومبدأ كل حسن ونظام.
فهو من حيث كونه مدركا أجل الأشياء وأعلاها وأشدها قوة ومن حيث كونه إدراكا أشرفها وأكملها وأقواها ومن حيث كونه مدركا أحسنها وأرفعها أبهاها.
فهو إذن أقوى مدرك لأجل مدرك بأتم إدراك بما هو عليه من الغبطة والكمال.
ومن نظر إلى سرور الإنسان وابتهاجه بنفسه إذا استشعر بكماله في الاستيلاء بالعلم أو الاستيلاء بالغلبة والملك على جميع الأرض إذا انضاف إليه صحة البدن وجمال الصورة وانقياد كافة الخلق.
فإن هذين الأمرين أي الاستيلاء العلمي على الجميع والاستيلاء العيني على البعض لو تصور اجتماعهما لشخص لكان غاية اللذة مع أن أحدهما مستفاد من الغير والآخر مستعار معرض للزوال ولا يرجع إلا إلى معرفة أمور حصولها حصول ذهني غير عيني واستيلاء على بعض نواحي الأرض التي