للتخيل ووسطه للتفكر ومؤخره للتذكر والحنجرة للصوت والخيشوم لاستنشاق الهواء والأسنان للمضغ والرية للتنفس والبدن للنفس والنفس لمعرفة البارىء جل كبرياؤه إلى غير ذلك من منافع حركات الأفلاك وأوضاع مناطقها ومنافع الكواكب سيما الشمس والقمر مما لا تفي بذكره الألسنة والأوراق ولا يسع لضبطه الأفهام والأذواق.
قلت: وإن لم يكن لفعله علة غائية خارجة عن ذاته ولا لمية مصلحية مباينة من المنافع والمصالح التي نعلمه أو لا نعلمه وهو أكثر بكثير مما نعلمه ولكن ذاته تعالى ذات لا يحصل منها الأشياء إلا على أتم ما ينبغي وأبلغ ما يتصور في المنافع والمصالح لأن ذاته منبع الخيرات ومنشأ الكمالات فيصدر منه كل ما يصدر على أقصى ما يتصور في حقه من الخير والكمال والزينة والجمال سواء كان ضروريا له كوجود العقل للإنسان والنبي للأمة أو غير ضروري كإنبات الشعر على الأشفار والحاجبين وتقعير الأخمصين على القدمين.
بل نقول: غاية كل علة لما بعدها سبيله كما مرت الإشارة إليه هذا السبيل من أنها لا يجوز أن تعمل عملا لأجل معلولها ولا أن تستكمل بما دونها اللهم إلا بالعرض لا بالذات ولا أن تقصد فعلا لأجل المعلول وإن كان يعلمه ويرضى به.
وكما أن الأجسام الطبيعية من النار والماء والشمس والقمر إنما يفعل أفاعيلها من التبريد والتسخين والإشراق والإضاءة لحفظ كمالاتها لا لانتفاع الغير منها ولكن يلزمها الانتفاع.
وكذلك مقصود نفوس الأفلاك في تحريكاتها ليس هو نظام العالم السفلى بل ما وراءه وهو التشبه بالخير الأقصى لكن يحصل منها على سبيل الرشح نظام ما دونها.
قيل: وللأرض من كأس الكرام نصيب.
فعلى هذا يجب قياس كل عال بالنسبة إلى السافل في باب عدم القصد والالتفات والإفاضة على سبيل