التفضيل.
ليعلم أن هذه اللوازم من المنافع والمصالح غايات عرضية لا ذاتية إن أريد بالغايات ما يقتضي فاعلية الفاعل وإن كانت [غايات] طبيعية صادرة عن المبادئ بالذات لا بالعرض كوجود مبادئ الشر وغيرها إن أريد بها ما يترتب على الفعل بالذات.
فإن قلت: هذه اللوازم الثانوية مع ملزوماتها التي هي كون تلك المبادئ على كمالها الأقصى يجب أن يكون متصورة لتلك المبادئ إما تصورا بالذات أو بالعرض مع أن المبادئ بعضها طبائع جسمانية لا شعور لها أصلا بما يتوجه إليها.
قلت: نفي الشعور مطلقا عن الطبائع الجسمية مما لا سبيل لنا إليه بل الحق أن الفحص والنظر يوجبانه.
فإن الطبيعة لو لم يكن لها في أفاعيلها مقتضى ذاتي لما فعلته بالذات وإذا لم يكن لمقتضاها وجود إلا أخيرا فله نحو من الثبوت أولا المستلزم لنحو من الشعور وإن لم يكن على سبيل القصد والروية بل الحق عدمه كما في القرآن المجيد: و إن من شيء إلا يسبح بحمده و لكن لا تفقهون تسبيحهم..
فإن قلت: قد يستدل من جهة إحكام الفعل وإتقانه على روية الفاعل وقصده فكيف لا يكون أفاعيل المبادئ الذاتية على سبيل القصد والروية.
قلت: هذا استدلال ضعيف إنما يحسن به مخاطبة الجمهور ممن قصرت أفهامهم عن إدراك الغايات الحقيقية ومبادئها.
فإن لكل فعل غاية وثمرة سواء كان مع الروية والقصد إلى حصولها أو لا يكون والروية لا يجعل الفعل ذا غاية كما يحصل الولد من بعض حركات الأب بلا مدخلية لرويته وقصده لحصول الولد وإن اقترن معها روية وقصد. ومما يؤيد هذا أن نفس الروية فعل ذو غاية ولا يحتاج إلى روية أخرى.
وإن أصحاب الملكات الصناعات يحصل منهم صنائعهم بلا روية كالكاتب الماهر لا يروي في كتبه كل حرف والعواد الماهر لا يتفكر في كل نقرة بل إذا روى الكاتب في كتبه حرف والعواد في نقره يغلط ويتبلد.
فللطبيعة غايات بلا قصد وروية.
وقريب من