اعتبار الأول نفس ذاته بذاته ومصحح اعتبار الثاني صدور الأشياء عنه على وجه يلزمها عشق يقتضي حفظ كمالاتها الأولية والشوق إلى تحصيل ما يفقد عنها من الكمالات الثانية ليتشبه بمبدئها بقدر الإمكان.
وستعلم الفرق بين الغاية الذاتية والغاية العرضية.
فإن قلت: إن الحكماء قد استنكفوا عن القول بأن أفعال الله معللة بالغرض والغاية.
قلت: استنكافهم عن غاية هي غير نفس ذاته تعالى من كرامة أو محمدة أو لذة أو إيصال نفع إلى الغير أو غير ذلك مما يترتب على الإيجاد من غير التفات إليها من جناب قدسه وغناه عما سواه.
بل الحق أن كل فاعل لفعل فليس له غرض حق فيما هو دونه ولا قصد صادق لأجل معلوله.
لأن ما يكون لأجله قصد يكون ذلك المقصود أعلى من القصد بالضرورة.
فلو كان إلى معلول قصد صادق غير مظنون لكان القصد معطيا لوجود ما هو أكمل منه وهو محال.
فإن قلت: غرض الطبيب وقصده في معالجة شخص وتدبيره إياه حصول الصحة وقد يستفاد الصحة من قصده إياها.
قلت: مفيد الصحة مبدأ أجل من الطبيب وقصده وهو واهب الكمال على المواد حين استعدادها والقصد مطلقا مما يهيىء المادة والمفيد دائما شيء آخر أشرف من القاصد فالقاصد يكون فاعلا بالعرض لا بالذات.
فإن قلت: كثيرا ما يقع القصد إلى ما هو أخس من القاصد وقصده.
قلت: بلى ولكنه على سبيل الغلط والخطاء أو الجزاف.
فإن قلت: فلو لم يكن للواجب غرض في الممكنات وقصد إلى منافعها فكيف يحصل منه الوجود على غاية من الاتقان ونهاية من التدبير والأحكام ولا يمكن لنا أن ننكر الآثار العجيبة الحاصلة في العالم من كون الأشياء على وجه يترتب عليها المصالح والحكم كما يظهر بالتأمل في آيات الأنفس والآفاق ومنافعها التي بعضها بينة وبعضها مبينة وقد اشتملت عليه المجلدات كوجود الحاسة للإحساس ومقدم الدماغ