عن ترتيب نقيض النتيجة على القياس البرهاني إذ ربما يخلق في الإنسان حالة تريه الأشياء على غير ما هي عليها.
فإن قلت: كيف يكون علمه تعالى بنظام الخير وهو عين ذاته غاية وغرضا له تعالى في الإيجاد والعلة الغائية كما صرحوا به هي ما يقتضي فاعلية الفاعل.
فيلزم منه أن يكون ذاته تعالى علة لذاته وهذا محال.
قلت: كثيرا ما يطلقون الاقتضاء والاستلزام ويريدون بهما المعنى الأعم وهو مطلق عدم الانفكاك اعتمادا على ما بينوا حاله في مقامه.
كيف ولم يقم ضرورة ولا برهان على أن الفاعل والغاية لشيء يجب أن يكونا متغايرين في الحقيقة بل ربما لا يكونان كذلك.
فإن الفاعل هو ما يفيد الوجود. والغاية هي ما يفاد لأجله الوجود سواء كان نفس الفاعل أو أعلى منها.
ولو كانت الغاية قائمة بذاتها وكان يصدر منها أمر لكانت فاعلا وغاية.
فذات البارىء علة فاعلية من حيث إنه يفيد وجود الأشياء.
وعلة غائية من حيث إن إفادته الوجود لأجل علمه بنظام الخير فيها الذي هو عين ذاته المعشوقة لذاته.
فإن قلت: الغاية بحسب الشيئية والسببية متقدمة على الفعل وبحسب الوجود متأخرة عنه مترتبة عليه.
فلو كان البارىء تعالى غاية وفاعلا لسائر الأشياء يلزم أن يكون متقدما عليها ومتأخرا عنها فيكون شيء واحد أول الأوائل وآخر الأواخر.
قلت: تأخر الغاية عن الفعل وترتبها عليه إنما يكون إذا كانت من الأمور الواقعة تحت الكون.
وأما إذا كانت أعلى من الكون فلا.
فإنهم قسموا المعلول إلى مبدع وكائن.
والغاية في القسم الأول يقرن مع وجود المعلول ماهية ووجودا.
وفي القسم الثاني متأخر عنه وجودا وإن تقدمت عليه ماهية. هذا ما ذكروه في كتب الفن.
وأقول إن الواجب تعالى أول الأوائل من جهة وجود ذاته وكونه علة فاعلية لجميع ما سواه وعلة غائية وغرضا لها وهو آخر الأواخر من جهة كونه غاية وفائدة يقصده الأشياء ويتشوق إليه طبعا وإرادة لأنه الخير المطلق والمعشوق الحقيقي.
فمصحح