سبحانه أن يلجأ إليه بالدعاء في دفع هذه المكاره كلها فيؤيد الله هذا الروح بما يعطيه من هذا النور من الاسم الرب ليدفع به ما تقع له به المضرة من جانب ظلمة الطبع واعلم أن مسمى الشر على الحقيقة ومسمى الخير إنما هو راجع إما لوضع إلهي جاءت به ألسن الشرائع وإما لملايمة مزاج فيكون خيرا في حقه أو منافرة مزاج فيكون شرا في حقه وإما لكمال مقرر اقتضاه الدليل فيكون خيرا أو نقص عن تلك الدرجة فيكون شرا وإما لحصول غرض فيكون خيرا في نظره أو عدم حصوله فيكون شرا في نظره فإذا رفع الناظر نظره عن هذه الأشياء كلها لم تبق إلا أعيان موجودات لا تتصف بالخير ولا بالشر هذا هو المرجوع إليه عند الإنصاف والتحقيق ولكن ما فعل الله سبحانه إلا ما قد حصل في الوجود من كمال ونقص وملائمة ومنافرة وشرائع موضوعة بتحسين وتقبيح وأغراض موجودة في نفوس تنال وقتا ولا تنال وقتا وما خلا الوجود من هذه المراتب وكلام المتكلم إنما هو بما حصل في الوجود لا بالنظر الآخر المنسوب إلى جانب الحق ثم أصل هذا الأمر كله إنما هو من جانب وجود واجب الوجود لذاته وهو الخير المحض الذي لا شر فيه ومن جانب العدم المطلق الذي في مقابلة الوجود المطلق وهذا العدم هو الشر المحض الذي لا خير فيه فما ظهر من شر في العالم فهذا أصله لأنه عدم الكمال أو عدم الملايمة أو عدم حصول الغرض فهي نسب وما ظهر من خير فالوجود المطلق فاعله ولذلك قال قل كل من عند الله وما هو موصوف بأنه عندك فليس هو عينك والإعدام والإيجاد بين إرادته سبحانه وقدرته ولهذا قلنا إن الخير فعل الحق ولم نقل في الشر فعلا وإنما قلنا إن ذلك العدم المطلق أصله فحررنا العبارة عنه ليعرف العاقل الناظر في كتابي هذا ما أردناه وإذ قد تبين هذا الأصل النافع في هذا الباب فلنقل ومما يلجأ إليه في دفع ما يكره من الأفعال ما تتلوه الشياطين على ملك سليمان من علم السحر الذي مزجوه بما أنزل على الملكين هاروت وماروت من علم الحق فعلم الحق من ذلك هو العلم بالأمور التي تسمى معجزات فإن الحق معجز وهو النور الذي يستند إليه وعلم الباطل من ذلك علم الخيال الذي قال فيه يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى ولهذا سمي السحر سحرا مأخوذ من السحر وهو اختلاط الضوء والظلمة فالسحر له وجه إلى الظلمة وليس ظلاما خالصا وله وجه إلى الضوء وليس ضوءا خالصا كذلك السحر له وجه إلى الحق وهو ما ظهر إلى بصر الناظر فإنه حق وله وجه إلى الباطل لأنه ليس الأمر في نفسه على ما أدركه البصر فلهذا سمته العرب سحرا وسمي العامل به ساحر إلا العالم به ولهذا سمي كيدا من كاد يكيد أي كاد يقارب الحق قال تعالى إنهم يكيدون كيدا أي يقاربون الحق فيما يظهر لكم وكاد من أفعال المقاربة تقول العرب كاد العروس يكون أميرا أي قارب إن يكون أميرا قال تعالى إنما فعلوا كيد ساحر أي فعلوا ما يقارب الحق في الصورة الظاهرة للبصر فإذا لم يكن حقا فما ذا بعد الحق إلا الضلال فإني تصرفون أي كيف تصرفون عن معرفة هذه الحقائق ومما يتعلق بهذا العلم من الشر مقلوب الحمد ولهذا قال فلا تكفر فإن مقلوب الحمد كفر وهو الذم إذ الحمد هو الثناء على المحمود بما هو عليه من الخلال وبما يكون منه مما تعطيه مكارم الأخلاق والذم في مقابلة ما ذكرناه قال تعالى فيتعلمون منهما أي من المعلمين ما يفرقون به بين المرء وزوجه والله قد كره ذلك وقد ذمه وندب إلى الألفة وانتظام الشمل ولما علم سبحانه أن الافتراق لا بد منه لكل مجموع مؤلف لحقيقة خفيت عن أكثر الناس شرع الطلاق رحمة بعباده ليكونوا مأجورين في أفعالهم محمودين غير مذمومين إرغاما للشياطين ومع هذا فقد ورد في الخبر النبوي أنه صلى الله عليه وسلم قال ما خلق الله حلالا أبغض إليه من الطلاق لأنه رجوع إلى العدم إذ كان بائتلاف الطبائع ظهر وجود التركيب وبعدم الائتلاف كان العدم فكانت الأسماء الإلهية معطلة التأثير فمن أجل هذه الرائحة كره الفرقة بين الزوجين فعدم عين الاجتماع أي هذه الحالة ارتفعت بافتراق هذين الزوجين وإن بقيت أعيانهما وإن كان الاجتماع والافتراق والحركة والسكون الحاصل من ذلك راجع إلى نسب معقولة لا أعيان موجودة كما يراه بعضهم وبهذا النور الخاص بهذا المنزل يندفع جميع ما ذكرناه من الشرور وما لم نذكره مما ينطلق عليه اسم شر بالإضافة إلى ما قررناه من الكمال والملائمة وغير ذلك وهذا القدر من السحر الذي يعطي التفرقة هو الذي يدفعه سبب وجود هذا النور في هذا المنزل خاصة وعند الخروج من هذه السدف والظلم بالإدلاج فيها حتى يطلع لك الصباح وتشرق الأنوار وذلك عالم الآخرة حيث كان حينئذ تحمد مسعاك وما فاتك
(٥٧٦)