ما لفظة يقولها كل الورى * عند الصباح يحمد القوم السري ما ذا ترى في قولهم يا من يرى * كل الأنام في الإمام والورا قد خاب في إنبائه من افترى * على الإله عالما بما جرى اعلم أيدنا الله وإياك بروح منه أن هذا المنزل منزل علم السري وأهله ويتضمن معرفة عالم الخلق والظلال ومنه يعرف كسوف القمر أهل الكشف وأنه من الخشوع الطارئ عن القمر من التجلي ويتعلق بهذا المنزل علم هاروت وماروت من علم السحر وعلم طلوع الأنوار اعلم وفقك الله للقبول أن الأنوار على قسمين أنوار أصلية وأنوار متولدة عن ظلمة الكون كنور قوله تعالى وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون وكقوله عز وجل فالق الإصباح وجاعل الليل سكنا ينظر إلى ذلك ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها ليكون له على النور ولادة والنور المتكلم عليه في هذا المنزل هو النور المولد الزماني وهذا المنزل مخصوص بالإمام الواحد من الإمامين اللذين للقطب وهو المسمى بعبد ربه وتارة يكون هذا النور ذكرا وتارة يكون أنثى فإذا غشى الليل النهار فالمتولد منه هو النور المطلوب وهذا النور المولد الذي شرعنا فيه هو نور العصمة للنبي والحفظ للولي وهو يعطي الحياء والكشف التام فإنه يكشف ويكشف به والنور الأصلي يكشف ولا يكشف به لأنه يغلب على نور الأبصار فتزول الفائدة التي جاء لها النور ولهذا تلجأ نفوس العارفين بالأنوار ومراتبها إلى هذا النور المولد من الظلمة للمناسبة التي بيننا وبينه من خلق أرواحنا فإن الأرواح الجزئية متولدة عن الروح الكلي المضاف إلى الحق والأجسام الطبيعية الظلمانية بعد تسويتها وحصول استعدادها للقبول فيظهر بينهما في الجسم الروح الجزئي الذي هو روح الإنسان ينفلق عنه الجسم كانفلاق الصباح من فالق الإصباح في الليل فتقع المناسبة بين هذا النور وبين روح الإنسان فلذلك يأنس به ويستفيد منه وهكذا أجرى الله العادة ولم يعط من القوة أكثر من هذا ولو شاء لفعل وهكذا جرت المظاهر الإلهية المعبر عنها بالتجليات فإن النور الأصلي مبطون فيها غيب لنا والصور التي يقع فيها التجلي محل لظهور المظهر فتقع الرؤية منا على المظاهر ولهذا هي المظاهر مقيدة بالصور ليكون الإدراك منا بمناسبة صحيحة فإن المقصود من ذلك حصول الفائدة به وبما يكون منه وهذا منزل عال كبير القدر العالم به متميز على أبناء جنسه وهو سار في الأشياء فكما أنه سبحانه ذكر أنه فالق الإصباح كذلك هو فالق الحب والنوى بما يظهر منهما فما وقعت الفوائد إلا بمثل هذا النور وكانت الأنبياء عليهم السلام تتخذه وقاية تتقي به حوادث إلا كون التي هي ظلم الأغيار وكما تبين لك قدر هذا النور المولد ومنزلته فلنبين ما يتخذ له وقاية وذلك أن الوقاية لا تكون إلا من أجل الأمور التي يكرهها الإنسان طبعا وشرعا وهي أمور مخصوصة بعالم الخلق والتركيب الطبيعي لا بعالم الأمر وقد بينا في هذا الكتاب وغيره ما نريده بعالم الأمر وعالم الخلق والكل لله تعالى قال عز وجل ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين فخصه بالاسم الرب دون غيره ولما كان عالم الخلق والتركيب يقتضي الشر لذاته لهذا قال عالم الأمر الذي هو الخير الذي لا شر فيه حين رأى خلق الإنسان وتركيبه من الطبائع المتنافرة والتنافر هو عين التنازع والنزاع أمر مؤد إلى الفساد قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء من غير تعرض لمواقع الأحكام المشروعة وكذلك وقع مثل ما قالوه ورأوا الحق سبحانه يقول والله لا يحب المفسدين وقال والله لا يحب الفساد فكرهوا ما كره الله وأحبوا ما أحب الله وجرى حكم الله في الخلق بما قدره العزيز العليم فما ظهر من عالم التركيب من الشرور فمن طبيعته التي ذكرتها الملائكة وما ظهر منه من خير فمن روحه الإلهي الذي هو النور المولد فصدقت الملائكة ولذلك قال وما أصابك من سيئة فمن نفسك وإذا كان عالم الخلق بهذه المثابة فواجب على كل عاقل أن يعتصم بهذا النور المذكور في هذا المنزل فالشرور كلها مضافة إلى عالم الخلق والخير كله مضاف إلى عالم الأمر واعلم أن الطبيعة لما تألفت واجتمعت لظهور عالم الخلق بعد أن كانت متنافرة ليظهر بذلك شرف هذا النور بما يكون فيه من الخير مع تولده من هذا التركيب لقوته وغلبة عالم الأمر على نشأته دخلت في الوجود الحسي فسميت جسما وحيوانا ونباتا وجمادا وما من شئ من هذا كله إلا والفساد والتغيير موجود فيه في كل حال ولولا هذا النور الاعتصامي لهلك عالم الخلق جملة واحدة فأمر الله
(٥٧٥)