الحق حلة وجوده فعينها باطن وجوده ووجودها عين موجدها فما ظهر إلا الحق لا غيره وعين العبد باق على أصله لكنه استفاد ما لم يكن عنده من العلم بذاته وبمن كساه حلة وجوده وبمعرفة أمثاله ورأى العالم بعضه بعضا بعين وجود ربه فمن نظر إلى ذاته بعين ربه ولم يميز فقد انحرف عما ينبغي له فهو العبد الموصوف بالجهل في عين الحق وحكمه في هذا الوصف والحال حكم من لم يتصف بالوجود لأن الجهل عدم فمن قال في رؤيته ما رأى الله إلا الله فهو العبد الكامل وهكذا في كل نسبة وهذه أسنى درجات المعارف وتليها المعرفة الثانية التي يقول فيها صاحبها كنت مغمض العينين ففتحتهما فما وقعت على شئ إلا كان هو الله فما رأيت إلا الله والأعيان على أصولها لا أثر لها في رؤيتي إياها والمعرفة الثالثة هي التي يقول فيها صاحبها ما رأيت شيئا والمعرفة الرابعة أن يقول ما رأيت شيئا إلا رأيت الله قبله وهذه رؤية تحديد وكذلك فيما نزل عن هذه المعرفة من فيه وبعده وعنده وغير ذلك وهي هذه المعارف التي تعطي التحديد من النسبة النزولية التي توهم التشبيه والمعارف الأول التي ذكرناها من مقام كون العبد بين النسبتين لا غير وأما المعارف التي تحصل من نسبة التنزيه فلا تنقال ولا تأخذها عبارة ولا تصح فيها الإشارة فانحصر لك الأمر في ثلاث معارف أمهات معرفة نسبة التنزيه ومعرفة نسبة التحديد والتشبيه ومعرفة أعطاها مقامك بين هاتين النسبتين وهو عينك لا وجود عينك لكون وجود عينك هو وجود الحق فلا ينسب إليك فمن لا علم له بهذه الأمهات فهو المنحرف واعلم أن لله في كل نوع من المخلوقات خصائص وقد ذكرنا ذلك في هذا الكتاب وهذا النوع الإنساني هو من جملة الأنواع ولله فيه خصائص وصفوه وأعلى الخواص فيه من العباد الرسل عليهم السلام ولهم مقام النبوة والولاية والايمان فهم أركان بيت هذا النوع والرسول أفضلهم مقاما وأعلاهم حالا أي المقام الذي يرسل منه أعلى منزلة عند الله من سائر المقامات وهم الأقطاب والأئمة والأوتاد الذين يحفظ الله بهم العالم كما يحفظ البيت بأركانه فلو زال ركن منها زال كون البيت بيتا ألا إن البيت هو الدين ألا إن أركانه هي الرسالة والنبوة والولاية والايمان إلا أن الرسالة هي الركن الجامع للبيت وأركانه إلا إنها هي المقصودة من هذا النوع فلا يخلو هذا النوع أن يكون فيه رسول من رسل الله كما لا يزال الشرع الذي هو دين الله فيه ألا إن ذلك الرسول هو القطب المشار إليه الذي ينظر الحق إليه فيبقى به هذا النوع في هذه الدار ولو كفر الجميع إلا أن الإنسان لا يصح عليه هذا الاسم إلا أن يكون ذا جسم طبيعي وروح ويكون موجودا في هذه الدار الدنيا بجسده وحقيقته فلا بد أن يكون الرسول الذي يحفظ الله به هذا النوع الإنساني موجودا في هذا النوع في هذه الدار بجسده وروحه يتغذى وهو مجلي الحق من آدم إلى يوم القيامة ولما كان الأمر على ما ذكرناه ومات رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما قرر الدين الذي لا ينسخ والشرع الذي لا يبدل ودخلت الرسل كلهم في هذه الشريعة يقومون بها والأرض لا تخلو من رسول حي بجسمه فإنه قطب العالم الإنساني ولو كانوا ألف رسول لا بد أن يكون الواحد من هؤلاء هو الإمام المقصود فأبقى الله تعالى بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرسل الأحياء بأجسادهم في هذه الدار الدنيا ثلاثة وهم إدريس عليه السلام بقي حيا بجسده وأسكنه الله السماء الرابعة والسماوات السبع هن من عالم الدنيا وتبقي ببقائها وتفني صورتها بفنائها فهي جزء من الدار الدنيا فإن الدار الأخرى تبدل فيها السماوات والأرض بغيرهما كما تبدل هذه النشأة الترابية منا نشئات أخر غير هذه كما وردت الأخبار في السعداء من الصفاء والرقة واللطافة فهي نشأت طبيعية جسمية لا تقبل الأثقال فلا يغوطون ولا يبولون ولا يتمخطون كما كانت هذه النشأة الدنياوية وكذلك أهل الشقاء وأبقى في الأرض أيضا الياس وعيسى وكلاهما من المرسلين وهما قائمان بالدين الحنيفي الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فهؤلاء ثلاثة من الرسل المجمع عليهم إنهم رسل وأما الخضر وهو الرابع فهو من المختلف فيه عند غيرنا لا عندنا فهؤلاء باقون بأجسامهم في الدار الدنيا فكلهم الأوتاد واثنان منهم الإمامان وواحد منهم القطب الذي هو موضع نظر الحق من العالم فما زال المرسلون ولا يزالون في هذه الدار إلى يوم القيامة وإن لم يبعثوا بشرع ناسخ ولا هم على غير شرع محمد صلى الله عليه وسلم ولكن أكثر الناس لا يعلمون والواحد من هؤلاء الأربعة الذين هم عيسى وإلياس وإدريس وخضر هو القطب وهو أحد أركان بيت الدين وهو ركن الحجر الأسود واثنان منهم هما الإمامان
(٥)