وستة أنفس لجهات ست * أئمتهن من نور وطين فهذا الرمز إن فكرت فيه * ترى سر الظهور مع الكمون اعلم أيدنا الله وإياك بروح منه أن هذا الباب يتضمن أصناف الرجال الذين يحصرهم العدد والذين لا توقيت لهم ويتضمن المسائل التي لا يعلمها إلا الأكابر من عباد الله الذين هم في زمانهم بمنزلة الأنبياء في زمان النبوة وهي النبوة العامة فإن النبوة التي انقطعت بوجود رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هي نبوة التشريع لا مقامها فلا شرع يكون ناسخا لشرعه صلى الله عليه وسلم ولا يزيد في حكمه شرعا آخر وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم إن الرسالة والنبوة قد انقطعت فلا رسول بعدي ولا نبي أي لا نبي بعدي يكون على شرع يخالف شرعي بل إذا كان يكون تحت حكم شريعتي ولا رسول أي لا رسول بعدي إلى أحد من خلق الله بشرع يدعوهم إليه فهذا هو الذي انقطع وسد بابه لا مقام النبوة فإنه لا خلاف إن عيسى عليه السلام نبي ورسول وأنه لا خلاف أنه ينزل في آخر الزمان حكما مقسطا عدلا بشرعنا لا بشرع آخر ولا بشرعه الذي تعبد الله به بني إسرائيل من حيث ما نزل هو به بل ما ظهر من ذلك هو ما قرره شرع محمد صلى الله عليه وسلم ونبوة عيسى عليه السلام ثابتة له محققة فهذا نبي ورسول قد ظهر بعده صلى الله عليه وسلم وهو الصادق في قوله إنه لا نبي بعده فعلمنا قطعا أنه يريد التشريع خاصة وهو المعبر عنه عند أهل النظر بالاختصاص وهو المراد بقولهم إن النبوة غير مكتسبة وأما القائلون باكتساب النبوة فإنهم يريدون بذلك حصول المنزلة عند الله المختصة من غير تشريع لا في حق أنفسهم ولا في حق غيرهم فمن لم يعقل النبوة سوى عين الشرع ونصب الأحكام قال بالاختصاص ومنع الكسب فإذا وقفتم على كلام أحد من أهل الله أصحاب الكشف يشير بكلامه إلى الاكتساب كأبي حامد الغزالي وغيره فليس مرادهم سوى ما ذكرناه وقد بينا هذا في فصل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في آخر باب الصلاة من هذا الكتاب وهؤلاء هم المقربون الذين قال الله فيهم عينا يشرب بها المقربون وبه وصف الله نبيه عيسى عليه السلام فقال وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين وبه وصف الملائكة فقال ولا الملائكة المقربون ومعلوم قطعا أن جبريل كان ينزل بالوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يطلق عليه في الشرع اسم نبي مع أنه بهذه المثابة فالنبوة مقام عند الله يناله البشر وهو مختص بالأكابر من البشر يعطي للنبي المشرع ويعطي للتابع لهذا النبي المشرع الجاري على سنته قال تعالى ووهبنا له أخاه هارون نبيا فإذا نظر إلى هذا المقام بالنسبة إلى التابع وأنه باتباعه حصل له هذا المقام سمي مكتسبا والتعمل بهذا الاتباع اكتسابا ولم يأته شرع من ربه يختص به ولا شرع يوصله إلى غيره وكذلك كان هارون فسددنا باب إطلاق لفظ النبوة على هذا المقام مع تحققه لئلا يتخيل متخيل أن المطلق لهذا اللفظ يريد نبوة التشريع فيغلط كما اعتقده بعض الناس في الإمام أبي حامد فقال عنه إنه يقول باكتساب النبوة في كيمياء السعادة وغيره معاذ الله أن يريد أبو حامد غير ما ذكرناه وسأذكر إن شاء الله ما يختص به صاحب هذا المقام من الأسرار الخاصة به التي لا يعلمها إلا من حصله فإذا سمعتني أقول في هذا الباب ومما يختص بهذا المقام كذا فاعلم أن ذلك الذي أذكره هو من علوم أهل هذا المقام فلنذكر أولا شرح ما بوبنا عليه من المقابلة والانحراف (وصل) اعلم أن للحق سبحانه في مشاهدة عباده إياه نسبتين نسبة تنزيه ونسبة تنزل إلى الخيال بضرب من التشبيه فنسبة التنزيه تجليه في ليس كمثله شئ والنسبة الأخرى تجليه في قوله عليه السلام اعبد الله كأنك تراه وقوله إن الله في قبلة المصلي وقوله تعالى فأينما تولوا فثم وجه الله وثم ظرف ووجه الله ذاته وحقيقته والأحاديث والآيات الواردة بالألفاظ التي تطلق على المخلوقات باستصحاب معانيها إياها ولولا استصحاب معانيها إياها المفهومة من الاصطلاح ما وقعت الفائدة بذلك عند المخاطب بها إذ لم يرد عن الله شرح ما أراد بها مما يخالف ذلك اللسان الذي نزل به هذا التعريف الإلهي قال تعالى وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم يعني بلغتهم ليعلموا ما هو الأمر عليه ولم يشرح الرسول المبعوث بهذه الألفاظ هذه الألفاظ بشرح يخالف ما وقع عليه الاصطلاح فننسب تلك المعاني المفهومة من تلك الألفاظ الواردة إلى الله تعالى كما نسبها لنفسه ولا يتحكم في شرحها بمعان لا يفهمها أهل ذلك اللسان
(٣)