وكل ذلك كلمات العالم فتسمى في الإنسان حروفا من حيث آحادها وكلمات من حيث تركيبها كذلك أعيان الموجودات حروف من حيث آحادها وكلمات من حيث امتزاجاتها وجعل في النفس الإلهي علة الإيجاد من جانب الرحمة بالخلق ليخرجهم من شر العدم إلى خير الوجود فكان بالحرف الهاوي ثم أبان لهم أيضا بوجود ما يؤدي إلى السعادة ببعثة الرسول الملكي والبشرى إرسال رحمة فكانت حروف اللين في المتنفس الإنساني ثم أوجد في هذا النفس الصوت عند خروجه من الباطن إلى الظاهر بطريق الوحي الذي شبهه رسول الله ص سلسلة على صفوان فكان في تنفس الإنسان حروف الصفير ثم انفش ذلك النفس الإلهي على أعيان العالم الثابتة ولا وجود لها فكان مثل ذلك في الكلام الإنساني حروف التفشي ثم إن النفس الإلهي استطالت عليه الأكوان بالدعوى والتحكم حيث عددت وكثرت ما هو أحدي العين وهو في نفس المتنفس الإنساني الحرف المستطيل وهو الضاد وحده لأنه طال حتى أدرك مخرج اللام ثم إن هذا النفس الإلهي في إيجاد الشرائع قد جعل طريقا مستقيما وخارجا عن هذه الاستقامة المعينة ويسمى ذلك تحريفا وهو قوله يحرفونه من بعد ما عقلوه مع كونه إليه يرجع الأمر كله يقول وإن تعدد فالنفس يجمعه فسمى ذلك التحريف في نفس المتنفس الإنساني الحرف المنحرف فخالط أكثر الحروف وهو اللام وليس لغيره هذه المرتبة وهو كبعض الأحكام الذي تجتمع فيه الشرائع ثم إنه ظهر في النفس الإلهي في الصور الأمثال فلم يقع التمييز فتخيل فيه التكرار والحقيقة تعطي أنه لا تكرار فظهر في عالم الحروف البشرية الحرف المكرر وهو الراء فإذا كان النفس يحمل الروائح فيعرف أن خروجه على المشام وهو المسمى في الحروف في النطق الإنساني حروف الغنة لأنها من الخيشوم وتمت مراتب الحروف بكمالها والحمد لله انتهى الجزء الثامن عشر ومائة (بسم الله الرحمن الرحيم) وقد رأينا من رجال الروائح جماعة وكان عبد القادر الجيلي منهم يعرف الشخص بالشم أخبرني صاحبي أبو البدر عنه إن ابن قائد الأواني جاء إليه وكان ابن قائد يرى لنفسه حظا في الطريق فأخذ عبد القادر يشمه نحو ثلاث مرات ثم قال له لا أعرفك فكان ذلك تربية في حقه فعلت همة ابن قائد إلى أن التحق بالإفراد والنفس أبدا أكثر ما يظهر حكمه في المحبين العشاق هو مقامهم ومرتبتهم ويضيفون ذلك إلى نفس الرياح لا إلى نفس الأرواح كما قال بعضهم ناشدتك الله نسيم الصبا * من أين هذا النفس الطيب هل أودعت برداك عند الضحى * مكان ألقت عقدها زينب أو ناسمت رياك روض الحمى * وذيلها من فوقها تسحب فهات أتحفني بأخبارها * فعهدك اليوم بها أقرب هذه الأبيات على لطافتها ورقتها من أكثف ما قيل في عشق الأرواح لأن نسيم الأرواح ألطف من نسيم الرياح لأنها بعيدة المناسبة عن عالم الطبيعة والرياح ليست كذلك فالأرواح إذا تنسمت لا تسوق إلا طيبا فإنها تهب من الحضرة الذاتية من الغيب الأقدس فلا تأتي إلا بكل طيب وطيبة والرياح ليست كذلك لأنها من عالم الطبيعة فإن مرت على خبيث جاءت بخبيث وإن مرت بطيب جاءت بطيب ونسيم الأرواح إذا مر بخبيث رده طيبا وإذا مر بطيب زاده طيبا فلو كان هذا القائل عاشقا حقيقة لا يتكلم بدعوى زور لم يجعل الطيب من زينب وإن كانت طيبة فلو ذكر أن طيبها زاد به طيب المكان طيبا وجعل محبوبته تنم بأسرارها الرياح فليست بمنيعة الحمى وعالم الطبيعة يخترقها وهو الريح وأخذ يهجو الريح حيث تعجب من أين له هذا النفس الطيب فلو ساق الطيب بطريق المفاضلة بأن يقول من أين هذا النفس الأطيب فإنه لم يكن الريح بأمر زائد على نفس محبوبته إذا حققت لأنها عين الطيب حيث ظهر طيب وسألني بعض أصحابي أن أشرح له هذه الأبيات لو قالها عارف من المحبين الإلهيين فأجبته إلى ذلك
(٣٩٢)