بقوله وذيلها فذكر ما يدخله الاحتمال في الحال فإنه يحتمل أن يكون الحال في قوله وذيلها أي في حال مرورها أكسبت هذا الروض الطيب من ذيلها ويحتمل أن يكون شهود الريح لها في حال مرورها على روض الحمى وهذا بعيد والأول أقرب فإنه لو مر بها مشاهدا لها في حال انسحاب ذيلها على الروض لنقل طيب ذيلها لا طيب الروض من ذيلها فدل أنه ما شاهدها نسيم الريح وإذا لم يشاهدها فليس عهده بها قريبا وإنما عهده قريب بالمكان الذي مرت عليه ثم فيه من النقص بقوله أقرب وصفها بالأمر العام في كل طيب إذ المكان الذي يبقى فيه الطيب إنما يكون قريب العهد بالطيب في جلوسه فيه أو مروره عليه وهذا ليس بمخصوص بها بل لو قال إن طيبها في المكان لا يزول بعد أن اكتسبه منها وأنه بها بعيد عهد ومع هذا فالطيب باق لقوة سلطانه لكان أشعر والنسيم ما نقل إليه إلا طيب المكان والروض فكان ينبغي أن يصدق فكان يقول فعهدك اليوم به أقرب يعني بالمكان أو بكل واحد منهما يعني الروض والمكان أو يقول بهم أقرب فكذب بقوله بها أقرب ثم إنه لا يلزم طيب المكان ولا طيب الروض من إلقاء العقد ولا من طيب الذيل قد يكون طيب الروض من الزهر وطيب المكان من أمر آخر مع وجود العقد فيه وانسحاب الذيل على الروض فهو قاصر بكل وجه فهذا شعر لطيف اللفظ مليح وهو بالمعنى ليس بشئ لأن جمال الشعر والكلام أن يجمع بين اللفظ الرائق والمعنى الفائق فيحار الناظر والسامع فلا يدرى اللفظ أحسن أو المعنى أو هما على السواء فإنه إذا نظر إلى كل واحد منهما أذهله الآخر من حسنه وإذا نظر فيهما معا حيراه فما يستحسن مثل هذا الشعر إلا ذو قلب كثيف فإن اللفظ لطيف والمعنى كثيف وإذا كان المعنى قبيحا عند الصحيح النظر لم يحجبه حسن اللفظ عن قبح المعنى فإن مثاله عندي مثال من بحب صورة في غاية الحسن منقوشة في جدار مزينة بأنواع الأصبغة تامة الخلق لا روح لها فإن المعنى للفظ كالروح للصورة هو جمالها على الحقيقة انظر في إعجاز القرآن تجده كما ذكرنا حسن النظم مع توفير المعنى وحسن مساقه وجمع المعاني بعضها إلى بعض في اللفظ الحسن النظم الوجيز مع وجود تكرار القصة الموجب للملل ولا تجد هذا في القرآن فتجد مع تكرار القصة الواحدة مثل قصص الأمم كآدم وموسى ونوح وغيرهم مما تكرر بزيادة لفظ أو نقصه ما تجد إخلالا في المعنى جملة واحدة وسبب ذلك أنه قول حق ما فيه تزوير ولما أتينا على تنبيه ما في قول هذا الشاعر مع كونه لم يخرج عن حقيقة هذا الباب في ذلك فإنه باب النفس بفتح الفاء والشعر من الكلام فهو من باب الأنفاس فثم أنفاس يخرج معها تحقيق المعاني على ما هي عليه في تركيب بعضها مع بعض وثم أنفاس بالعكس فلنرجع إلى النفس الرحماني الذي ظهر عنه حروف الكائنات وكلمات العالم على مراتب مخارج الحروف من نفس المتنفس الإنساني الذي هو أكمل النشآت كلها في العالم وهي ثمانية وعشرون حرفا لكل حرف اسم عينه المقطع مقطع نفسه فأولها الهاء وآخرها الواو ومنها حروف مفردة المخرج كالحرف المستطيل والمنحرف والمكرر ومنها مشتركة في المخرج كحروف الصفير وإن كان بين المشترك تفاوت فهو قريب بعضها من بعض يجد اللافظ الصحيح اللفظ في حال التلفظ بها الفرق بين الحرفين المشتركين كالطاء والتاء والدال فهذه الثلاثة وإن كانت من مخرج واحد فهو على التقارب لا على التحقيق ولهذا اختلفت الألقاب عليه لاختلاف أحوالها في المخارج فيكون للحرف الواحد ألقاب متعددة لدرجات له في النفس عند التكوين منه في مقطع الحرف يمتاز به عن الذي يقاربه في المخرج الذي أوجب له أن يقال فيه إنه مشترك كحرف الصاد غير المعجمة مثلا فإنه من الحروف المهموسة ويشارك الكاف في الهمس وهو من حروف الصفير فهو يشارك الزاي في الصفير وهو من الحروف المطبقة فهو يشارك الطاء في الإطباق وهو من الحروف الرخوة فهو يشارك العين في الرخاوة وهو من الحروف المستعلية فهو يشارك القاف في الاستعلاء فهذا حرف واحد اختلف عليه ألقاب كثيرة لظهوره في مراتب متعددة قابل بذاته كل مرتبة صالح لها فاختلفت الاعتبارات فاختلفت الأسماء كذلك نقول في العقل الأول عقلا لمعنى يخالف المعنى الذي لأجله نسميه قلما يخالف المعنى الذي لأجله نسميه روحا يخالف المعنى الذي لأجله نسميه قلبا والعين واحدة والحكم مختلف لذا تنوعت الأرواح والصور
(٣٩٤)